قلت : لو كانت الإمامة بالإجماع وتحقق في عثمان ، كان بعد الاجماع إمامته متعينة ، فكيف يكون غيره بعد تحقق إمامته بالحجة الشرعية أحق بها ، فتقريب عباس إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إنما هو بعد استقرار سلطنة عثمان ، وهو دال على عدم اذعانه بإمامته . ومنها : تعليل قوله " فدار معه " بقوله " فإنه يجد أنصارا من الشام وغير الشام ولا تجد أنصارا تقدر بها على غلبته " لدلالته على أن الوصية بالمداراة لعدم القدرة على الغلبة ، وإلا لم يكن المقام مقام المداراة ، ولو جوز إمامة عثمان كان التجويز كافيا في لزوم المداراة . ومنها : قوله " ولو ظن بك ما تظن بنفسك لكان الأمر لك والزمام في يدك " لأن هذا الظن الذي نسب إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يكن الإمامة باتفاق الناس وتعيينهم ، لعدم تحققه في شأنه ( عليه السلام ) في ذلك الوقت بالاتفاق ، بل كان علمه [1] بالاستحقاق بما لا مدخل لتعيين الناس فيه أصلا ، كما يدل عليه قوله " هذا حديث يوم مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " إلى قوله " فلم يتم " . ومنها : قوله " وتصديت له مرة بعد مرة فلم يستقم " لدلالة تصدي أمير المؤمنين له مرة على كون الأمر حقا له ، فكيف التكرار ؟ وتحسين ما حسنه ابن أبي الحديد غفلة منه عن سعي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وتوهم منه بأن سعيه إنما كان لتحصيل سلطنة دنيوية ، وهذا خطأ محض ، بل كان سبب تكرر تصدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للأمر أمرين : أحدهما سعيه في إجراء حكم الله بقدر الإمكان . وثانيتهما تتميم الحجة على
[1] في تعبير العلم هاهنا إشارة إلى أن المراد بالظن المنسوب إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو العلم ، وتعبيره بالظن لعله للمشاكلة ، ولو فرض إرادة المعنى الشايع من الظن كانت كافية هاهنا ، لأن ظن استحقاق نفسه ( عليه السلام ) للأمر ملزوم لظن عدم استحقاق عثمان له ، فلا إجماع في إمامته " منه " .