أدنى مراتب الإنصاف إلى احتمال المبالغة . أما سيرته ( عليه السلام ) في ترك ملاذ الدنيا وصغرها عنده ، فأظهر من أن يحتاج إلى البيان . وأما كلامه ( عليه السلام ) في موارد شتى وطلاقه الدنيا طلقة لا رجعة فيها ، فمشهور . وثانيتها : روى ابن الأثير في جامع الأصول ، في كتاب الفضائل ، من صحيح الترمذي ، عن علي ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أن قال : رحم الله عليا ، اللهم أدر الحق مع علي حيثما دار . ولما لم يكن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) متهما عند أحد لم يكن مبتلى بالنفاق ، فكونه راوي فضيلة لنفسه لا يضر ، فلهذا نقلوا الرواية في كتبهم المعتبرة ، وعدوها من الصحاح ، ولعل هذا المعنى مما بينه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مواضع متعددة بألفاظ متغايرة ، فمنه ما اشتهر بين الخاصة والعامة ، وهو أنه يدور الحق مع علي حيثما دار [1] . وثالثها : كون إطاعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) واجبة على المؤمنين [2] ، كما يظهر مما
[1] راجع : إحقاق الحق 4 : 441 ، و 5 : 28 و 43 و 623 - 638 ، و 6 : 290 - 291 و 303 ، و 16 : 384 - 397 وغيرها . [2] ويؤيد وجوب إطاعته ( عليه السلام ) ما رواه يحيى بن الحسن بن البطريق ( رحمه الله ) في الفصل الثالث والثلاثين من العمدة ، من مناقب ابن المغازلي ، بإسناده ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي إنك سيد المسلمين وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ، ويعسوب الدين . وإذا انضم إلى ما ذكرته ونذكره من مناقبه وفضائله التي منها دوران الحق معه ، لا يرتاب طالب الحق في أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال بوجوب إطاعته ، وهو كاشف عن أمر الله تعالى بها ، لقوله تعالى في آل عمران * ( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ) * وقوله تعالى * ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ) * وفي سورة النساء * ( يا الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) * وقوله تعالى * ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله - إلى قوله - فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) * وقوله في سورة الأعراف * ( قل يا أيها الناس أني رسول الله إليكم جميعا - إلى قوله - واتبعوه لعلكم تهتدون ) * . فإذا عرفت مفاد هذه الآيات وغيرها وعرفت فعل السابقين بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) عرفت أن فعلهم به ( عليه السلام ) لا يناسب فعل مسلم بسيده ، وفعل متق بإمامه ، وفعل نحل بيعسوبه ، فثبوت مراتبه الثابتة له ( عليه السلام ) بقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الكاشف عن أمر الله بالآيات المذكورة كاف في ثبوت أن ما لا يناسب مراتبه ( عليه السلام ) لم يكن ثابتا للسابقين ، فتوهم مرتبة الإمامة لهم من التوهمات التي لا يليق بمصدق الكتاب والسنة " منه " .