هل يمكن أن يقال لصاحب سلطنة له قدرة على ما شاء من الظلم بل القتل : إنك تركت العمل بكتاب الله وأخبار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ هل يقدر أحد على أن يخبر صاحب سلطنة وشوكة غرضه أن يعلمه الناس صاحب مذهب صحيح ببطلان مذهبه ؟ وظاهر أنه لا يقدر ، مع كونه أسهل من أن يقول لمن يدعي كونه خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنك غصبت الخلافة . اعلم أن دلالة بيعة أهل السقيفة التي لها محامل على صحة إمامة أبي بكر أضعف من أن يصح جعلها معارضة لدلالة امتناع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وحده عن البيعة ما قدر على البطلان ، فكيف تعارضه مع انضمام امتناع بني هاشم وجلة الصحابة من غيرهم ، فجعل بيعة السقيفة معارضة لهما مع الكتاب والأخبار التي في كتبهم في غاية السخافة ، وسكوته ( عليه السلام ) عن توضيح خطأهم بذكر النصوص لا يدل على عدمها ، بل لعله ( عليه السلام ) خاف من إظهار بعضها ، وعلم بقرائن الحال وأخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) عدم التأثير ، فاكتفى [1] بما كان مناسبا لإتمام الحجة على الناس .
[1] ويمكن أن يقال وجه آخر لاكتفاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بما اكتفى ، وهو : أنه ( عليه السلام ) على تقدير إظهار النصوص المشتهرة التي عجز المختلسون عن إنكار اللفظ والدلالة ، يقول بعضهم : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخطأ في هذا الأمر ، ويتبعه جماعة فيما قال ، فحينئذ ينضم الاستحقاق الذي في غاية الظهور والشناعة برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى ما تحقق من الاستخفاف به ( صلى الله عليه وآله ) عند الاستخفاف بأهل بيته ، ويحصل الجرأة في عصيان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وترك مقتضى * ( ومن يعص الله ورسوله ) * أزيد مما حصل مع عدم ترتب منفعة هي تبعية الحق على الإظهار . ويؤيد هذا الاحتمال ما تكرر من مخالفة عمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حياته وبعد وفاته ، مثل امتناعه عن قبول حكم المتعتين ومنعه عنهما ، وضربه أبا هريرة بتبليغه ما أمره ( صلى الله عليه وآله ) بتبليغه ، ومنعه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن الكتابة ، ونقله مقام إبراهيم ( عليه السلام ) عن موضعه ، وغيرها مما هو مسطور في الكتب ، وسيظهر لك ما يكتفى به في مبحث المطاعن ، فلعل عمر كان يخالف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بعض الأمور في حياته تسهيلا لإنكار ما أراد إنكاره عند الحاجة ، فاكتفى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بأمور كافية وافية للمسترشد ، هادية له إلى العلم بصاحب الحق والغاصب ، من غير أن يذكر ما ينتهي إلى الاستخفاف المذكور برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأكثر في بيان ما يجب بيانه بحسب المصلحة ما يكتفي ببعضه المسترشد البصير وطالب النجاة الخبير " منه " .