نام کتاب : رسائل ومقالات نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 506
وقد أتانا الله بأفضل مما أتيت له . [1] ومع ذلك كله فالتدرج هو المخيم على التشريع ، خاصة فيما إذا كان الحكم الشرعي مخالفا للحالة السائدة في المجتمع ، كما في شرب الخمر الذي ولع به المجتمع الجاهلي آنذاك ، فمعالجة هذه الرذيلة المتجذرة في المجتمع رهن طي خطوات تهيئ الأرضية اللازمة لقبولها في المجتمع . وقد سلك القرآن في سبيل قلع جذور تلك الرذائل مسلك التدرج . فتارة جعل السكر مقابلا للرزق الحسن ، وقال : * ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) * . [2] فاعتبر اتخاذ الخمر من التمور والأعناب - في مجتمع كان تعاطي الخمر فيه جزءا أساسيا من حياته - مخالفا للرزق الحسن ، وبذلك أيقظ العقول . وهذه الآية مهدت وهيأت العقول والطبائع المنحرفة لخطوة أخرى في سيرها نحو تحريم الخمر ، فتلتها الآية الثانية معلنة بأن في الخمر والميسر إثما ونفعا ، ولكن إثمهما أكبر من نفعهما ، قال سبحانه : * ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) * . [3] إن هذا البيان وإن كان كافيا إلا أن جماهير الناس لا يقلعون عن عادتهم المتجذرة ما لم يرد نهي صريح حتى وافتهم الآية الثالثة ، قال سبحانه : * ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) * [4] فالآية الكريمة جاءت بالنهي الصريح عن شرب الخمر في وقت محدد ، أي عند إرادة الصلاة بغية الوقوف على ما يتلون من القرآن والأذكار .