نام کتاب : رسائل ومقالات نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 483
إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) * [1] . ومع هذه الدعوة المؤكدة التي نادى بها القرآن ظهرت فرقة في العصور الأولى صارت سمتهم وشعارهم إعدام العقل وتعطيله عن التفكر فيما وراء الحس ، مما يرجع إلى أسمائه سبحانه وصفاته وغير ذلك ، وقالوا معتذرين في تعطيل العقل " إن ما أعطينا من العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبية ، فمن شغل ما أعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فاتته العبودية ولم يدرك الربوبية " . [2] وكأن العبودية عند القائل هي القيام والقعود والإمساك ، التي هي من واجبات الأعضاء ، وغاب عنه أن العبودية تقوم على ركنين ، ركن منه يرجع إلى الأعضاء والجوارح ، وركن آخر إلى العقل واللب ، فتعطيل العقل عن معرفة المعبود بالمقدار الميسور تعطيل للعبودية . فالاقتصار في معرفة الرب بالعبودية الظاهرية من القيام والقعود من دون التعرف على ما للمعبود من جمال وجلال ، يؤدي إلى كون عبودية الإنسان أدون من عبودية الجماد ، إذ الجماد ربما يستشعر عظمة الخالق ، حسب مقدرته ، قال سبحانه : * ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون ) * [3] . والعجب أن هذا النمط من الجمود قد عاد إلى الساحة الفكرية باسم السلفية ، وأخذ لنفسه طابعا جديدا ، وصار الجهل بالمعارف وإعدام العقل عن التفكير مفخرة نادى بها أصحابها ، وبذلك انقادوا لما في الصحاح والمسانيد ، من