بالبداء ما هو إلا لأنه يرجع إلى الاعتراف بحقيقة الإلهية ، وأن الموجد للعالم إنما هو إله موجد بالإرادة والقدرة على مقتضى الحكمة ، متصرف بقدرته بما يتراءى من العلل وتعليلاتها التي هي من صنعه وإيجاده ، والخاضعة لتصرف مشيئته فيها ، لا أن وجود العالم منوط بالتعليلات الطبيعية ومحض اقتضاء الطبيعة العمياء فاقدة الشعور والإرادة ، تعالى الله عما يقولون . وعلى ذلك تجري صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام : " ما بعث الله نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار [ له ] ( 19 ) بالعبودية ، وخلع الأنداد ، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء " ( 20 ) . فالبداء ، وأن الله يمحو ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب ، يكون الاعتراف بحقيقتها المعقولة ومدلول الأحاديث ، هو الفارق بين الإلهية والطبيعية ، وهو الفارق بين الاعتراف بحقيقة الإلهية وبين المزاعم المستحيلة في مسألة العقول العشرة المبنية على التقليد الأعمى للفلسفة اليونانية ومزاعم أوهامها ، مع الخبط في أمر الإيجاد بالإرادة والتعليل الطبيعي . ثم إن مقتضى دلالة العقل والنقل هو أن البداء والمحو لا يقعان فيما أخبر الله به أنبياءه وأوصياءهم ، وأخبروا به عنه جل
19 - أثبتناه من المصدر . ( 20 ) الكافي 1 / 114 ح 3 .