أقول : وإن قوله تعالى : " يمحو الله ما يشاء و يثبت وعنده أم الكتاب " ( 10 ) ينادي بأن مقام المحو والإثبات هو غير مقام أم الكتاب ، وعلم الله المكنون ، ومشيئته وإرادته الأزلية . بل هو في مقام الظاهر في سير الأسباب و تسبيباتها . فقد تقتضي مشيئته - جل اسمه - أن يمنع أسباب البقاء وطول العمر عن الزاني وقاطع الرحم ، وقد يمنع الأسباب المهلكة عن واصل الرحم والمتصدق والداعي مثلا ، فيمحو في هذه الموارد ما جعله لنوع الأسباب من التسبيب ، و قد لا يمحوه في بعض الموارد لحكمة أخرى ، فيكون قد أثبته ، أي أبقاه ثابتا . وقد يراد من قوله تعالى : " يثبت " أنه يثبت حين المحو خلاف المحو ، والله العالم . قد كان الناس يحسبون أن إسماعيل بن الصادق عليه السلام هو الإمام بعد أبيه ، لما عملوه من أن الإمامة للولد الأكبر ما لم يكن ذا عاهة ، ولأن الغالب في الحياة الدنيا وأسباب البقاء أن يبقى إسماعيل بعد أبيه عليه السلام ، فبدا وظهر بموت إسماعيل أن الإمام هو الكاظم عليه السلام ، لأن عبد الله كان ذا عاهة ، فظهر لله ( 11 ) وبدا للناس ما هو في علمه المكنون .