نام کتاب : رسالة في التحسين والتقبيح نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 96
بثبات أصولها ، ومن قائل بتبدلها وتغيرها حسب تغير الأنظمة والحضارات ، ولكن المسألة لا تنحل إلا في ضوء التحسين والتقبيح العقليين الناشئين من قضاء الجبلة الإنسانية والفطرة الثابتة ، فعند ذاك تتسم أصول الأخلاق بسمة الثبات والخلود . خذ على سبيل المثال " إكرام المحسن " فإنه أمر يستحسنه العقل ، ولا يتغير حكم العقل هذا أبدا ، وإنما الذي يتغير بمرور الزمان ، وسائل الإكرام وكيفيته . إن الثابت عبارة عن الأصول الفطرية التي لها جذور في عمق الإنسان ، وطبيعته ، وبما أن الفطرة الإنسانية واحدة في جميع الشرائط والظروف لا تتغير بتغيرها ، تصبح الأصول المبنية على الفطرة الإنسانية أصولا ثابتة لا تتغير أيضا ، فقوله سبحانه : * ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) * . ( 1 ) ثابت ولا يتغير عبر القرون ، لأن العدل والإحسان قد جبل الإنسان عليهما ، نعم ثمة تغير يطرأ على الأساليب المقررة لإجراء تلك الأصول الثابتة تبعا لتغير الزمان ، فهي لم تزل تتغير حسب تغير الحضارات وهذا التغير ليس جوهريا يمس ثبات تلك الأصول . إن للإنسان - مع غض النظر عن البيئة التي يعيش فيها - سلوكا باطنيا يلازمه ولا ينفك عنه ، وفطرة ثابتة ويعد جزءا مهما من شخصيته يميزه عن سائر الحيوانات ويلازم وجوده في كل زمان ومكان . فهذا السلوك الباطني الثابت لا يستغني عن قانون ينظم اتجاهاته ، ويصونه عن الإفراط والتفريط ، فإذا كان القانون مطابقا لمقتضى فطرته ، وصالحا لتعديلها ، ومقتضيا لصلاحها ، ومقاوما لفسادها ، لزم خلوده بخلوده ، وثبوته بثبوته ، فمن زعم أن الأخلاق تتطور حسب تطور الظروف والشرائط غفل عن أن للإنسان سلوكا
1 - النحل : 90 .
96
نام کتاب : رسالة في التحسين والتقبيح نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 96