نام کتاب : رسالة في التحسين والتقبيح نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 110
وأما المجتمع الذي لم يتجذر الفساد فيه ، وكان له دور هامشي ففي مثل هذا النوع من المجتمعات لا داعي إلى نشوب الثورات بغية إصلاح المجتمع ، لأن الإصلاح رهن التحقق دونها ، وهذا خير شاهد على أن القوانين الطبيعية ليست أسوة للإنسان على نحو مطلق ، بل الإنسان بما هو موجود مختار ، له أن ينتخب أيسر السبل لإصلاح المجتمع ، سواء وافق ما يجري في الطبيعة أم خالف . نعم لما كانت الماركسية بصدد بيان فلسفة ما تتبناه من الأصول في حياتها السياسية لم تجد بدا من جعل ناموس الطبيعة وقوانينها مقياسا للحياة ، ولم يتبن ذلك الأصل إلا لتبرر به ثورتها على الرأسمالية والامبريالية . 2 . لو وجب أن تكون الآيديولوجية انعكاسا لما يجري في الطبيعة لكان اللازم اتخاذ ناموس تنازع البقاء وناموس الانتخاب الطبيعي - اللذين هما من الأركان الأربعة لنظرية النشوء والارتقاء في نظرية دارون - عمادا في الحياة ، وإبقاء فتيل الفتن والحروب مشتعلا بين الضعفاء والأقوياء ، بشكل دائم ومستمر حتى يتغلب الأقوياء على الضعفاء ، ولا لوم على أي مجرم يشعل حربا ضروسا ، ويهلك الحرث والنسل ويعذب البشرية ويدمر الحضارة ، لأنها سنة عملية محاكية للسنة النظرية . هذا ما لا يقبله عاقل ، ولا يرضاه ضمير حي . ومن هنا يعلم أن الماركسية لم تتشبث بهذا الأصل إلا لتدعم آيديولوجيتها وأفكارها الحزبية ، فهي تتبنى فوق كل شئ وقبل الرؤية الكونية لزوم الإطاحة بالرأسماليين والإقطاعيين ومن يدعمهم من النظام السياسي ، فوجدت بغيتها في نظام القفزات في الطبيعة ، ثم التغييرات الكمية تتبدل فجأة إلى تبدلات كيفية أو نوعية ، فاستخدمتها لدعم نظريتها الحزبية ، ولولا هذا الدعم لأسدل على نظام القفزات ستار النسيان .
110
نام کتاب : رسالة في التحسين والتقبيح نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 110