فإنّ هذه الكلمات ونحوها دالَّة على أنّ الطعن للحسد والهوى والعداوة فاش بينهم ، وعادة لهم ، فلا يجوز الاعتبار بأقوالهم في مقام الجرح والتعديل حتّى مع اختلاف العصر ، أو عدم ظهور الحسد والعداوة ؛ لارتفاع الثقة بهم ، وزوال عدالتهم ، وصدور الكذب منهم . وأسخف من ذلك ما في « تهذيب التهذيب » بترجمة عبيد اللَّه بن سعيد أبي قدامة السرخسي ، قال : قال الحاكم : روى عنه محمّد بن يحيى ثمّ ضرب على حديثه . . . وسبب ذلك أنّ محمّدا دخل عليه فلم يقم له ! [1] . فإنّ من هذا فعله كيف يعتمد عليه في التوثيق والتضعيف ، ويجعل عدم روايته عن شخص دليل الضعف ؟ ! وقريب منه ما ذكروه في ترجمة النسائي ، كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى في « المطلب الثالث » [2] . وأعظم من ذلك ما في « تهذيب التهذيب » بترجمة سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف ، قال : إنّ مالكا لم يكتب عنه . قال الساجي : يقال : إنّه [3] وعظ مالكا فوجد عليه فلم يرو عنه ! [4] . فإنّ من يترك الرواية عن شخص لموعظته له ، حقيق بأن لا يجعل
[1] تهذيب التهذيب 5 / 379 باختلاف يسير ، وكان في الأصل : « عبيد اللَّه بن سعد . . . » وما أثبتناه من المصدر . [2] يأتي في صفحة 42 من هذا الجزء . [3] أي : سعد بن إبراهيم . [4] تهذيب التهذيب 3 / 276 باختلاف يسير . ووجد عليه وجدا : أي غضب عليه . انظر : الصحاح 2 / 547 ، لسان العرب 15 / 219 ، مادّة « وجد » .