يبحث في بنود الصلح ، فيقتطع منها ما يحلو له ، فقال : ( وقد تجلّى هذا الإيمان - إيمان الإمام الحسن بالشورى - مرّة أُخرى عند تنازله عن الخلافة إلى معاوية واشتراطه عليه العودة بعد وفاته إلى نظام الشورى ، حيث قال في شروط الصلح : « . . . على أنّه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده ، وأن يكون الأمر شورى بين المسلمين » ) [1] . ولكن خفي عليه أنّ الرجالي السنّي الشهير « الذهبي » نقل هذا النص بألفاظ أُخرى في سير أعلام النبلاء ، قال : ( واشترط عليه - اشترط الحسن على معاوية - أن يكون له الأمر من بعده ) [2] . فحاول الكاتب أن يخفي هذا البند الذي جاء به الذهبي ، والذي يثبت أنّ الخلافة للحسن من بعد معاوية ، وتنازل الإمام هذا ليس عن موقع الإمامة ، بل عن موقع القيادة ؛ للخلل الذي أصاب المسلمين آنذاك ، وهذا ما صرّح به الإمام عندما خطب المسلمين قائلاً : « إنّما هادنت إشفاقاً على نفسي وأهلي والمخلصين من أصحابي » [3] . وترجم الإمام ذلك بقوله : « أنا المدفوع عن حقّي » [4] . إذن ، لو كانت الخلافة شورى - كما قال الكاتب - لم يجز للحسن ( عليه السلام ) أن يخاطب المسلمين بحفظ موقعه كإمام مفترض الطاعة من الله [5] ، ولم يجز له أن يقول : « والله ما فيها وما بينها حجّة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسين » [6] . فكل ذلك دليل على تمسّك الإمام الحسن ( عليه السلام ) بالولاية والخلافة بالنص والتعيين ، لا بالشورى والانتخاب ، ولهذا قال : « إنّه لم يبعث نبي إلاّ وجعل له وصي من أهل بيته ،
[1] أحمد الكاتب ، تطوّر الفكر السياسي : ص 36 . [2] سير أعلام النبلاء : ج 3 ، ص 278 . [3] بحار الأنوار : ج 44 ، ص 56 ، باب كيفيّة مصالحة الحسن لمعاوية . [4] بحار الأنوار : ج 44 ، ص 89 ، باب سائر ما جرى بينه وبين معاوية . [5] كمال الدين : ص 297 ، باب 29 . [6] الإرشاد : 11 / 2 ، ص 29 .