رصده من الظواهر الكونية ، وثانيهما القراءة والاطلاع على العقول الإنسانية الجبارة التي بَلَت الموضوع قبلنا ، وحاولت سبر غوره . . وها أنذا أعترف بأني لم أخرج من هذا ولا ذاك إلا بالهباء المنثور ، رغم طول الطريق ووحشة السفر وقلة الزاد . . . لقد خبرت " البرهان الأونطولوجي " عند القديس إنسلم ورينيه ديكارت . ثم سبرت غور " الدليل الكوسمولوجي " عند غوتفريد ولهلم لايبنيتز . وكنت قبل ذلك قد اطلعت على " الإثبات الفيزي - تيليولوجي ( أو الطبيعي الغائي ) " عند أرسطو وبويس والقديس توما الأكويني وجان جاك روسو . ثم بين هذا وذاك تمعنت في " دليل العناية " و " دليل الاختراع " في القرآن ( كما لخصهما أبو الوليد محمد بن رشد ) . . نعم ، لقد رأيت كل ذلك ، ثم أتى إيمانويل كانت يبرهن لي في كتابه نقد العقل الخالص على استحالة إقامة الدليل على وجود الله ، ويفند كل ما أتى به الآخرون . . ثم جاء بعد " كانت " " نيتشه " يعلن موت الله و " كارل ماركس " يندد باستلاب الإنسان و " سيمون فايل " تبذر بذور الإلحاد . . فنسفت فلسفة الآخرين ما جاء به الأولون . . لذلك يا شيخنا الكريم ، أجد نفسي ملزماً اليوم بعدم القطع في هذه المعضلة ، فليس لي أن أتخذ موقفاً يعاكس ما وصلت إليه من نتائج معرفية ، ولكن مهما تكن النتيجة فإن موقفي واضح بالنسبة لما قالوا لنا عنه بأنه أديان سماوية ، فهذه الأديان لا يمكن أن تكون إلا بشرية محضة ، إذ ليس في ظهرانيها ما يصلها بالسماء بأي وشيجة من الوشائج . . وهي مستقاة من مصدر مشرقي واحد أدى تفاعله مع روافده إلى بوتقتها في " التوراة والإنجيل " أولاً وفي " القرآن " ثانياً . .