إن الأديان في شعوب العالم سيدة ، في الماضي والحاضر ، تفعل في وجدان المجتمعات وحياتها ، تنفرد في السيادة ، أو تتقاسمها مع الحياة المادية . ولكن الديانة المسيحية في الغرب خادمة لماديته ، أو مطرودة إلى زاوية في دير ، أو مكتبة ، أو كوخ ! حتى في عصر حكم الكنيسة ! فالسيادة عندهم فقط للأشياء المادية الملموسة ولذَّاتها المحسوسة . ولا يتسع المجال لاستعراض مفردات الفعل الغربي في خطة عزل المسيحية المسكينة وتسخيرها ! إني لم أر حالة مستعصية من عبادة المادة والنهم بها ، كالحالة الغربية ! ولا يغرنك ما ترى من ( أخلاقية ) وشعارات وكنائس ورجال دين ، فتحسب أن وراء هذه الأشكال حياة روحية ! إنها أشكال موظفة عند المادية الأوروبية لعزل المسيحية واستخدامها ! ولو احتككت بهم لوجدت أن مجموع ما يعيشه أهل حي من عالم روحي ، لا يبلغ أن يكون نفحة من حياة فلاح شرقي . هل تعرف أن سر هذا التناغم الحميم بين الأوربيين واليهود ، هو أن المادية اليهودية كالمادية الإغريقية ، رافد يرفد المادية الغربية المعبودة . وهل تعرف السر في استيراد الغربيين لموديلات التدين من الوثنيات الهندية ؟ إنها أشكال من التدين مطيعة للمادية الغربية ، طيِّعة لقرار العزل . فهل نلام إذا قلنا إن الغربيين لا يسمح لهم أن يخامروا عمق المسيحية وقيمها الإنسانية ! وإن الثقافة الغربية بمقدار ما هي متطورة ومتقدمة في العلوم الطبيعية ، متخلفة وأمية في الفكر الإنساني ، والعلوم الإنسانية والروحية ! أنا أعذر المعجبين بالغرب منا ، لأنهم نظروا إلى السطح ولم ينفذوا إلى العمق ، ولم يدرسوا إنسانه عن كثب !