جعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * و . . . . [1] فسبحانه من إله ما أبهر برهانه في تعريف أنبيائه ورسله لعباده ! فهذه البينات الواضحة برهان صدق على دعوة النبوة والرسالة ، يراها الناس ويشاهدونها بالحس والعيان من غير احتياج إلى البرهان المصطلح . وما أحسن تعبيره تعالى وتصريحه عن هذه المعجزات ب " البينات " و " آيات بينات " ! قال تعالى : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات . [2] وآتينا عيسى ابن مريم البينات . [3] وأما استفادة الأمم مقاصد أنبيائهم عند التخاطب في مرحلة التعليم والبلاغ ، أمر بين فطري - وهو عين ما هو دائر بين العقلاء في حوائجهم وشؤون حياتهم - سواء كان في عصر حضورهم أو بعد وفاتهم ، من محكمات كتبهم وقطعيات سننهم . والفرق بين القطع الحاصل بالبرهان وروح القدس هو : إن روح القدس حقيقة نورية وذاته الكاشفية والعيان ، بخلاف القطع المنطقي ، فإنه ليس له كشف عن ذاته ، فضلا عن المعلوم به ، لاستحالة نيل القاطع الإصابة وعدمها ، وخروج الإصابة من اختياره أحيانا . مع أنه قد يكون في المسألة الواحدة أقوال مختلفة . ومن الممكن أيضا أن يكون الواقع غير هذه الأقوال جميعا . وأقصى ما يمكن أن يقال في حجية القطع المنطقي ، هو وجوب الجري على طبقه أصاب أو أخطأ ، لا كاشفيته للواقع . فاتضح أن ثبوت نبوة النبي عند نفسه ، بعين إفاضته تعالى روح القدس عليه . وثبوتها عند الأمم المبعوث إليهم بالمعجزات البينات . ونيل دعوتهم في مقام البلاغ والتعليم من حيث حكاية الألفاظ والكلمات عن معانيها ، بعين ما هو دائر بين عقلاء