وأما وجه افتراقهما ، فإن ما علم بالكرسي هو الغيب الذي منه مطلع البدع والإيجاد وعالم الشهادة كلها . فالكرسي علم بعالم الشهادة قبل مرتبة إيجاده وفي مرتبة إيجاده أيضا ، فهو محيط بعالم الشهادة فقط . وأما العرش فهو محيط به وبما سواه من الأمور التي ليس الكرسي حاويا وكاشفا لها ، بل تكون هذه فضلا وزيادة للعرش . ويدل على ذلك قوله عليه السلام : " والعرش هو الباب الذي يوجد فيه علم الكيف . . . فهما في العلم بابان مقرونان لأن ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي " . والرواية الشريفة تحتاج إلى مزيد توضيح والذي مست الحاجة إلى ذكره في المقام هو ما ذكرناه ، والله ولي التوفيق . ولا يتوهم أن العرش هو كون عقلي إجمالي للأشياء وبعبارة أخرى هو عبارة عن كينونة الأشياء مجردا عن الحدود والتقديرات والتفصيل الزماني والمكاني . لأن هذه الرواية وما تقدم من رواية عبد الله بن سنان تمنعان وتأبيان عن هذا التوهم . فإن المعلومات التي ذكرها - عليه السلام - في هذه الرواية الشريفة للعرش من الكيف والحد و . . . جميعها في مرتبة التفصيل والتقدير ، وقد ذكرنا أن قوله عليه السلام : " إن العرش هو الذي لا يقدر أحد قدره " ، أي : لا يقدر أحد من الناس بحسب عقولهم وأفهامهم تحديده وتقديره ، لا أن العرش لا تقدير فيه وأنه مجرد عن التقدير . 3 - الفرق بين العرش والكرسي قد ذكرنا في البحث عن رواية حنان بن سدير أن الفرق بين العرش والكرسي بالسعة والضيق وقلنا : إن الكرسي عبارة عن العلم المحيط بعالم الشهادة ، أي السماوات والأرض وما فيها من المخلوقات ، غيوبها وشهاداتها . وهو صريح قوله تعالى : وسع كرسيه السماوات والأرض والعرش عبارة عن العلم الأغيب والأوسع