وهذا واضح عند المقايسة بين الحقائق النورية وبين الحقائق المظلمة المكشوفة بالغير . مثلا : إذا توجهت بنور عقلك إلى قبح الظلم والبغي ، تدرك القبح وتجده مبائنا مع النور الكاشف إياه . وتجد أن قبح الظلم ليس جنسا نوريا ظاهرا بذاته ، بل سنخه المعلومية بالغير . وتعرف العقل أن سنخه الظهور والمظهرية . وواضح أن معرفة العقل ليس بتصوره بل مرجعه نيل العقل بالعقل لأجل ظهوره الذاتي . والمثل الآخر : إنك تجد إنيتك بالشعور . وتجد الإنية مشعورة ومشهودة بالشعور . وتجد أن الشعور غير الإنية المظلمة بالذات والنسبة بين الإنية والشعور هي المباينة الصفتية . فإن الشعور يستحيل أن يعلم بالغير ويوصف بشئ آخر . لأن سنخه الظهور الذاتي ، وما كان كذلك يتأبى ويتقدس عن المعلومية والموصوفية بالغير . ولا يجوز الإصغاء إلى ما قيل من أن الإنية ثابتة من حال الصبا إلى المشيب لا يقبل التحول والتغير في شئ من الحالات وهذا دليل على تجرد الإنية . فإن الإنية ليست من جنس الظهور ومعرفة لذاتها ، وإلا تستحيل غفلة الإنسان عن إنيته وفقدانها عند النوم وغيره من الحالات . فتحصل من جميع ما ذكرنا أن انطواء جنس المشهود في حقيقة الشعور والشهود والظهور باطل بالبداهة ، ولا محصل للقول بأن معنى قوله عليه السلام : " تجلى بذاته لذاته " أن علمه بذاته علم بما سواه كما مر عن المحدث الكاشاني . مع أن قوله : " علمه بذاته علم بما سواه " إن كان مراده به هو الظهور الذاتي والمظهرية الغير المتناهية بحسب شدة نوريته وسعته ، فلا يعقل أن يكون هذه الحقيقة موصوفة بالمعلومية ومظهرة - بالفتح - ولو بالاعتبار . إذ ليس فيه جهة خفاء كي يكون موصوفا بالمعلومية . والتعبير بالظهور الذاتي والمظهرية يناقض التعبير بالمعلومية . فيجب تمجيده تعالى بالعلم الغير المتناهي من حيث الشدة والسعة . وطريق ذلك إثبات العلم فيه تعالى بالآيات والعلامات خارجا عن الحدين .