وقال أيضا : " أصل : وكما أن الأغيار كلها باطلات الذوات ، هالكات الحقايق دون وجه [ ه ] الكريم ، فكذلك صفاتها كلها مستهلكة في صفاته تعالى مستغرقة فيها . وكما أن وجوده سبحانه كل الوجود وكله الوجود ، فكذلك صفاته تعالى كل الصفات لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها . لأنه سبحانه بسيط الحقيقة ليس فيه نقصان ، وما هذا شأنه يكون كل الشئ ، كما مر بيانه . فعلمه سبحانه واحد ومع وحدته يكون علما بكل شئ وكل علم بشئ إذ لو بقي شئ ما لا يكون ذلك العلم علما به ، لم يكن علما حقيقيا بوجه بل علما بوجه وجهلا بوجه آخر وحقيقة الشئ لا يكون ممتزجة بغيرها ، فلم يخرج جميعه من القوة إلى الفعل . قود دريت أنه سبحانه ليس فيه جهة فقر وقوة أصلا " . [1] أقول : ما ذكره من أن علمه تعالى بنفسه علم بجميع ما سواه ، لا محصل له ، لما ذكرنا أنه يستحيل أن يكون تعالى معلوما ولو بعلم نفسه . ضرورة أنه سبحانه ظاهر بذاته في شدة غير متناهية ، فلا معنى لكونه سبحانه أن يكون معلوما . هذا أولا . وثانيا : إن قوله : " علمه تعالى بنفسه علم بجميع الأشياء " متوقف على كون الأشياء منطوية في ذاته تعالى - كما التزم به - وهو خلاف ضرورة مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام فإن المباينة بينه تعالى وبين ما سواه بينونة صفة حقيقتا لا بينونة عزلة . وثالثا : إن هذه الأشياء المشهودة المعلومة بضرورة العلم والعيان ، ليست من جنس العلم والظهور ، بل حقائق مظلمة بذاتها والكاشف عنها نور العلم والشعور والعقل التي وهبها الله تعالى لعباده . والقرآن الكريم وحملة علومه قد صرحوا ببطلان هذه الفرضية وأخرجوا الأمة الإسلامية بنوره عن هذه الظلمة ، وصرحوا أن معرفته تعالى ومعرفة كمالاته