أقول : لما أبطل عليه السلام الوجوه المذكورة في باب معرفته تعالى وباب عبادته سبحانه ، قيل له عليه السلام : فكيف سبيل التوحيد ؟ فأجاب عليه السلام بقوله : " باب البحث ممكن . . . " أي : أن البحث والفحص عن التوحيد لكثرة الأمارات والدلائل عليه أمر ممكن والتخلص والخروج عن الشبهات والأوهام الباطلة في التوحيد موجود وأمر عادي عند أهل العقل والإنصاف . قوله عليه السلام : " معرفة عين الشاهد قبل صفته ومعرفة صفة الغائب قبل عينه . " أقول : الشاهد والشهيد من جملة أسمائه تعالى الحسنى . فهما متقاربان من العالم والعليم . والعناية الملحوظة في العالم والعليم ، هو حيث كشف العلم وانكشاف المعلوم به وأما العناية الملحوظة في الشاهد والشهيد ، هو حيث شهوده تعالى مورد الشهادة . روى السيد ابن طاووس في دعاء العرفة عن الصادق عليه السلام قال : أنت أقرب حفيظ وأدنى شهيد . [1] حيث إن معرفته تعالى لا يكون إلا بتعريفه تعالى نفسه القدوس إلى عباده فيعرفونه تعالى بحقيقة الإيمان والعيان ، فيكون تعالى في موقف معرفة العارفين بالمنظر الأعلى وبالأفق المبين . وبديهي أن موقف المعرفة عند المناجاة والدعاء وفي موقف الإرشاد والتذكير ، يكون في مرتبة متقدمة على مرتبة معرفة الأسماء والنعوت فإطلاق الأسماء والنعوت التي سمى الله تعالى نفسه بها وأمر الناس أن يدعوه بها ، تعبيرات عنه تعالى ، لا أنها معرفات لله سبحانه . والشهادة بهذا المعنى تستحيل في غيره سبحانه . فيكون ما سواه تعالى غائبا بالحقيقة ، فتحتاج معرفة غيره تعالى إلى معرفة أسمائه ونعوته . وتكون معرفة غيره تعالى في مرتبة متأخرة عن معرفة أسمائه ونعوته .