العقل بالعقل . ولا يخفى أن مرجع الاستدلال هو التذكر بالمعقولات إلى النور الظاهر بذاته والمظهر لغيره . وإنما احتجب عن معرفته لشدة ظهوره واشتغاله بالمعلومات ، والاستدلال عليه ليس لأجل خفائه ومجهوليته . فهذا العقل الذي أفاضه الله سبحانه على الأرواح والنفوس البشرية واستضاؤوا واستناروا به ، ليس عين ذواتهم ، بل هو نور وعلم يفيضه الله سبحانه على أرواحهم تارة فيجدونه بإذن الله وبسطه عليهم فيعلمون ، ويفقدونه أخرى ويقبض عنهم فلا يعلمون . ويختلف مراتب الوجدان فيهم . وسر اختلافهم فيه ، ليس إلا شدة الوجدان وضعفه . ولا يخفى أن الإنسان الذي وهب الله سبحانه له العقل ، لا غناء له عن العالم الإلهي كي يذكره بعقله وأحكامه . فإن الله سبحانه بعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليثيروا لهم دفائن عقولهم التي أودعها الله في ذواتهم . وهذا العقل المفاض على الإنسان ضعيف وبسيط يشتد إلى الأربعين . فيتكامل بتذكير المذكرين وتنبيه المنبهين ، ليستعد لتعاليمهم وبلاغهم ، واستكمال ذلك النور وتأييده وتثبيته حتى تكون المكارم والفضائل له معلومة بالعلم الضروري لا التعبدي المولوي ويتمكن من الترقي إلى الكمالات العالية من الزهد والإخلاص والاجتهاد في سبيله سبحانه . وهذا هو الأساس في علم الأخلاق بحسب الكتاب والسنة والطريق الوحيد المصون من الإفراط والتفريط . قال تعالى : ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها . [1] بيان : الظاهر أن المراد من النفس هو الإنسان المركب من الروح والبدن لا