أريد . . . وهناك - على نعمى الحال ، ورخاء البال ، وابتهاج النفس - جمعني الحظّ السعيد بعلم من أعلامها المبرّزين ، بعقل واسع ، وخلق وادع ، وفؤاد حيّ ، وعلم عيلم ، ومنزل رفيع ، يتبوّأه بزعامته الدينية ، بحقّ وأهليّة . . . فكان ممّا اتّفقنا عليه . . . أنّ أعظم خلاف وقع بين الأمّة : اختلافهم في الإمامة . . . ولو أنّ كلاًّ من الطائفتين نظرت في بيّنات الأخرى - نظر المتفاهم لا نظر الساخط المخاصم - لحصحص الحقّ وظهر الصبح لذي عينين . وقد فرضنا على أنفسنا أن نعالج هذه المسألة ، بالنظر في أدلّة الطائفتين ، فنفهمها فهماً صحيحاً ، من حيث لا نحسّ إحساسنا المجلوب من المحيط والعادة والتقليد ، بل نتعرّى من كلّ ما يحوطنا من العواطف والعصبيّات ، ونقصد الحقيقة من طريقها المجمع على صحّته ، فنلمسها لمساً ، فلعلّ ذلك يلفت أذهان المسلمين ، ويبعث الطمأنينة في نفوسهم بما يتحرّر ويتقرّر عندنا من الحقّ ، فيكون حدّاً ينتهى إليه إن شاء الله تعالى . لذلك قرّرنا أن يتقدّم هو بالسؤال خطّاً عمّا يريد ، فأُقدّم له الجواب بخطّي ، على الشروط الصحيحة ، مؤيّداً بالعقل أو بالنقل الصحيح عند الفريقين . وجرت بتوفيق الله عزّ وجلّ على هذا مراجعاتنا كلّها ، وكنّا أردنا يومئذ طبعها لنتمتّع بنتيجة عملنا الخالص لوجه الله عزّ وجلّ ، لكنّ الأيّام الجائرة ، والأقدار الغالبة اجتاحت العزم على ذلك ، ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خير لي . وأنا لا أدّعي أنّ هذه الصحف تقتصر على النصوص التي تألّفت يومئذ بيننا ، ولا أنّ شيئاً من ألفاظ هذه المراجعات خطّه غير قلمي ، فإن الحوادث التي أخّرت طبعها فرّقت وضعها أيضاً كما قلنا .