يكون ذلك بعد مضي سنين طويلة على سماعها ، ووجدوا أنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بالحديث على أصل لفظه ، كما نطق النبي به ، استباحوا لأنفسهم أن يرووا على المعنى . ثم سار بعدهم كل من جاء من الرواة بعدهم فيتلقى المتأخر عن المتقدم ما يرويه عن الرسول بالمعنى . ثم يؤديه إلى غيره بما استطاع أن يمسكه ذهنه منه . ولقد كان لرواية الحديث بالمعنى - ولا جرم - ضرر كبير على الدين ، واللغة ، والأدب [1] . أقول : إن الرجل إنما يتبع هواه ، فيحوك كلماته حسب ما يراه ، فهو يصور أن ( بعض الصحابة ) أراد أن يروي للناس ، وكأن الصحابة ليس كلهم قد انبرى للرواية - قليلا أو كثيرا أن من شذ منهم فلم يرو شيئا ، فهو قد حرم نفسه من ذلك الخير الجسيم ، وقصر في أداء ما وجب عليه من أمر تبليغ الأحكام ، بالمسموع له من الأحاديث . لكنه يذكر الرواة عن الصحابة يقول : ثم سار بعدهم كل من جاء من الرواة . ولا أدري من أين له هذه التخمينات بالكل تارة ، وبالبعض أخرى ؟ سوى كيل هواه ! .