الواهية المجردة عن كل إثبات - قد ولى . والمجال مفتوح لكل عاقل ، عارف بأوليات العلوم أن يتابع بنفسه التاريخ ، ويقرأ شواهده ليعرف أن أحاديث الفضائل رغم كل محاولات المعارضة ، وتزوير أحاديث مناقضة ، ورغم عمليات الإبادة والإحراق والدفن لكتب الحديث ، ورغم إجراءات المنع والحبس والتشريد والتبعيد لرواته ، قد وصل إلينا منها المقدار الكافي المقنع ، بأيد أمينة من الصحابة الكرام ، والتابعين الفضلاء . وهي منقولة عن أهل السنة وطرقهم بأكثر وأوفر مما وصل إلينا من طرق الشيعة ، وإن كانت الطرق الشيعية لخصوص هذه الأحاديث طرقا أمينة موثوقة ، ليس فيها إلا رجال أتقياء حافظوا على الحديث فنقلوه ، وجازفوا بحياتهم ووجودهم في تلك العصور المظلمة - عصور الجهل والظلم وحكم الفسقة من آل أمية وبني العباس [1] - فنقلوا هذه الأحاديث ، بالرغم من مطاردة الحكام لهم ، وتعريضهم لأجل ذلك لكل أنواع التهم والعذاب . ولو كان رواة الفضائل - كما يريد أن يصورهم الظالمون - من طلاب الدنيا ، وممن يريد أن يخرب الدين ويضرب قواعده ، ويقتل أهله ، فهل كان في تلك العصور سبيل أسهل وأقرب وأقوى من الدخول في سلك الحكام والتسلل إلى المناصب ، وضرب أفضل ما يمت إلى هذا الدين بصلة ، وهم علماء أهل البيت والأئمة من ذرية علي وفاطمة ، وقتل الصحابة
[1] لاحظ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للندوي ( ص 20 - 123 ) .