لأن آخرهم موتا هو أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني الذي توفي سنة ( مائة ) من الهجرة [1] . فلو التزمنا بمنع التدوين ، إلى ذلك الحين ، كما هو رأي أكثر المؤرخين من محدثي العامة ، والتزمنا إلى جانب ذلك بتشديد عمر في منع نقل الحديث والرواية ، لصح القول بأن أكثر الحديث قد ضاع بموت حامليه ، حيث لا رواية ولا كتابة ، عدا ما أباح تسجيله وروايته الحاكمون وهو القليل ، ومن أحاديث الأعمال فقط ، أو تم نقله بصورة غير قانونية ؟ ! ومن أوضح نتائج هذا الاختفاء أن الفقهاء العامة واجهوا قلة في النصوص التي تستفاد منها الأحكام الشرعية ، فلجأوا إلى الرأي والقياس - الذي هو الأساس لمحق الدين - كما وقع لأبي حنيفة ، فقالوا في حقه : إن أبا حنيفة إنما كثر القياس في مذهبه ، لكونه في زمن قبل تدوين الحديث ، ولو عاش حتى دونت الأحاديث الشريفة ، وبعد رحيل الحفاظ في جمعها من البلاد والثغور وظفر بها ، لأخذ بها وترك كل قياس كان قاسه [2] . أقول : بل ، لو دونت الأحاديث قبل أن يولد أبو حنيفة ، لما ضاع شئ منها ، ولاستفادت الأمة كلها منها في معرفة دينها ، وإصلاح دنياها . لكن المانعين كانوا يتعمدون ضياع الأحكام ، وتشتيت أحوال أمة
[1] تهذيب التهذيب ( 5 / 82 ) . [2] ( 2 ) قواعد في علوم الحديث للتهانوي الحنفي ( ص 454 ) .