أما بادية العرب فلم تكن تخط بل كانت ترى الخط وصمة عار ، وسمة عيب ، كما هو شأنها في سائر الصناعات المدنية [1] . فهذا جزاف من القول ، يتنافى والذوق البشري ، وحب الخلود عند الإنسان ، والحقيقة التي عرفناها عن العرب قبل الإسلام ، وإن عدم الكتابة الذي شاع بينهم فهو على أثر التخلف ، لا حبا في الأمية وتباهيا بها ! إلا جهلا وعصبية وغرورا ! وأين هذا من الإسلام ؟ وإشادته بالعلم والكتابة ؟ وتأكيده على محو الأمية ؟ ! ومن المهين للمسلمين - والعرب منهم - أن تنسب إليهم كراهة الكتابة ، بهدف فصلهم عن عرف العقلاء ذلك الذي بيناه ، وإبعادهم عن أهم عناصر الحضارة ، بينما نجد خلاف ذلك عند العرب أنفسهم ، فإنهم كانوا يسمون باسم ( الكامل ) من كان يعرف الكتابة ، ويحسن الرمي ، ويجيد السباحة [2] . ولئن نقل عن واحد من شعرائهم - وهو ذو الرمة - قوله - عن الكتابة - : إنها عيب عندنا ! ويطلب كتمانها عليه [3] . مع أن كلامه ليس حجة على أمة كاملها ، فالوجه فيه أن ذلك يتنافى
[1] الحديث والمحدثون لأبي زهو ( ص 119 ) . [2] أنظر : طبقات ابن سعد ( ج 3 ص 613 ) وفتوح البلدان للبلاذري ( ص 459 ) وعيون الأخبار لابن قتيبة ( ج 2 ص 168 ) وسير أعلام النبلاء 1 / 8 - 279 ) . [3] الأغاني ( 18 / 30 ) ولاحظ اسم ( ذو الرمة ) في فهرس الأعلام .