أفترى ، إذا غسلت الكتب ، ودفنت ! على من يعتمد في الفتاوى والحوادث [1] ! ؟ أقول : والدفن الذي ذكر ، واحد من طرق إبادة كتب الحديث ، التي زاولها كثير من المانعين ، لكنه هو أهونها ، لأن الكتاب المدفون ، له قابلية البقاء - تحت الأرض - لفترة ، قد يتلافى أمره ، فيستخرج قبل أن يتلف ، بخلاف الإبادة بالإحراق ، أو الإماثة في الماء ، والإمحاء بالغسل ، فإن الكتاب - في هذه الحالات - غير قابل للإعادة ، ولا يستفاد منه أصلا . فإذا كان ابن حنبل - وكذا ابن الجوزي - يشنان الحملة على دفن الكتب ويستنكرانه ، فهما بالأولى يستنكران الإحراق بالنار ويقبحانه . ولا أتصور أن قبح هذا العمل يزول إذا كان الفاعل له شخص معين كعمر ، أو غيره ! ؟ ولو أبحنا للفرد أن يتلف الكتاب الذي كتبه هو ، باعتبار أنه مسلط على ماله ، ولم يكن من الإسراف المنهي عنه شرعا ، أو التبذير كذلك ، فإن إتلاف الإنسان لكتاب غيره ، من دون رضاه محرم شرعا ، وموجب للضمان وضعا ، فكيف بمن يحرق كتب الناس ، وهم جيل أو جماعة كبيرة ! فإنه بالإضافة إلى المسؤولية الشرعية ، ينوء تحت مسؤولية حضارية ثقيلة ، ويواجه محاسبة ثقافية دقيقة ، فلا ينجو من كل ذلك العقاب والعتاب أيا كان سلطانا ، أو خليفة .
[1] نقد العلماء - أو تلبيس إبليس - ( ص 314 - 316 ) .