ومهما كان الحديث عن حفظ العرب وسعته ، وعن ذاكرة العرب وجودتها فإن الرواية كانت تساير عملية الكتابة ، المتسالم عليها لدى البشر ، فلم يرحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ، إلا وقد أصبحت الكتابة أمرا مقبولا لدى الجميع ، ولا يدور حولها جدل أو بحث . وقد أصبح التدوين والكتابة للمعلومات أمرا واقعا بحيث إن عمر ، لما أراد أن يمنع تدوين الحديث اضطر إلى إظهار أعذار يبرر بها إجراءات المنع . أما الجماعة الذين عارضوا تلك الإجراءات ، من كبار الصحابة والتابعين - في بداية القرن الأول الهجري - وكذلك المجموعة التي تم تدوينها وبقيت مصونة من الإبادة والإحراق ، فهي تمثل النواة المكونة لتراث المعرفة الإسلامية . وقد عرفنا في هذا القسم كل الأوليات الضرورية لإثبات هذه النظرية ونلخص الكلام هنا ، فنقول : إن أدلة المبيحين لتدوين الحديث ، التي جمعنا شتاتها ، وألفنا بين متفرقاتها ، هي : 1 - أن الأصل الأولي في حكم التدوين ، هو الإباحة . 2 - وأن العرف المقبول ، يدل على جواز التدوين ، وهو عرف قرره الشارع الكريم ، ولم يعارضه ، فيكون حجة في نفسه على ذلك . 3 - ورأينا أن السنة النبوية ، بأقسامها الثلاثة : التقريرية ، والفعلية . والقولية ، قامت على جواز التدوين للحديث .