وهنا كذلك تدخل اعتبارات كثيرة ، فنجد أنه يرفض روايات الوضاعين التي قد تمس ببعض شخصيات هذا التاريخ ، وقد يكون سبب رفضه لهذه الروايات هو التوجه المذهبي للراوي ; فمثلا يرفض رواية الوضاعين - على حد تعبيره - من قبيل حماد بن عمرو أبي إسماعيل الناصبي وسلام بن مسلم لا لشيء إلاّ لأن مروياتهم تخص بالتقديس علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) ( 1 ) . ومن هذا المنطلق فإن ابن كثير تعامل بشكل انتقائي مع الأحداث ، بحيث لم يراعي الموضوعية وتواتر الحدث ، بقدر ما راعى طبيعة رواة الحدث مما يجعل تاريخه هذا انتقائياً يراد منه الانتصار لجهة معينة دون اُخرى ، إذ أن الكتابة التاريخية عنده لم تكن من أجل تدوين تاريخ كما يريده البشر مطابقاً للواقع بل كانت كتابته بالطريقة التي أرادها هو لهذا البشر . وقد عبر ابن كثير بنفسه عن هذا المنهج الانتقائي بقوله : « وكان فراغي من الانتقاء من تأريخه في يوم الأربعاء العشرين من جمادي الآخرة سنة 751 » ( 2 ) وهذا اعتراف ضمني منه بعملية الانتقاء التي قام بها . ويقول في آخر هذا الفصل :
1 - ابن كثير - البداية والنهاية : 5 / 222 ، 223 . 2 - المصدر السابق : 14 / 194 .