بعضها ببعض ، بل تعامل مع الحدث التاريخي من خلال وضعيته العلمية والتي يطغى فيها المحدث على المؤرخ ، إذ اهتم في تأريخه على الرواية تماشياً مع صبغته كإمام محدث يكره الاجتهاد وابداء الرأي ; ولم يجرأ على الدخول في معاني الرواية واستعمال أسلوب نقدي لفرزها . كما أنه لم يتعامل مع الأحداث التاريخية كمؤرخ محترف على حد تعبير عبد الله العروي في تعريفه للمؤرخ المحترف ، إذ أنه هذا الأخير لا ينفك يقيس أي حكم يعرِّف ; أي يستعمل « مفاهيم جامعة » ، و « يؤلف مباحثات » أي يفترض « قيمة محورية » ، « أو وحدة انتسابية » قلنا إنه ينقد رواية موروثة ليخطط أثناء عملية النقد والتفكيك لرواية بديلة حتى ولو لم يفصح أبداً عنها ( 1 ) . إن عملية نقد الروايات والأخبار الواردة لم تكن واردة في ذهن ابن كثير بقدر ما كان همه الكبير هو جمع عدد كبير من الروايات والأحداث ومحاولة إخراجها بشكل يساير طابعه الايديلوجي الطاغي عليه ، حيث أن النظر عنده في الرواية ، أو الحدث التاريخي لا يخرج عن إطارين ; الأول : تمجيد مرحلة الصحابة والتابعين ، والانتصار لهذا التاريخ الملغوم ; ثانياً قبول كل ما روي في رفع شأن هذه المرحلة حتى ولو المشهود عليه بالكذب ، من قبيل روايات سيف بن عمر التميمي حيث لم يكتف ابن كثير بأخذ الرواية عنه بل ترحم عليه أيضاً ( 2 ) .
1 - عبد الله العروي مفهوم التاريخ : 2 / 343 . 2 - ابن كثير - البداية والنهاية : 5 / 319 .