يرى بالأبصار كما قال ولكن إثباته الجسم له تعالى بهذا المعنى تنزيل له سبحانه منزلة مخلوقاته مما ينافي الألوهية ، فإن كون الله تعالى جسماً بهذا المعنى نقص يجب تنزيهه عنه ، أما عقلاً فلأن الرؤية كما تحقق في علم البصر إنما تتم بوقوع أشعة النور على سطح المرئي وانعكاسها عنه إلى البصر ، فيلزم منه كون المرئي ذا سطح ، وذلك يستدعي تركبه من أجزاء وهو ينافي الألوهية ، لأن الجسم بهذا المعنى عين الجسم الذي نفاه أولاً عنه تعالى بل حتى عن الممكن . وأما نقلاً فلقوله تعالى : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ولا تعارض هذه الآية بقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، لأن كيفية رؤيته تعالى يوم القيامة مجهولة كما هو معتقد أهل الحق ، فيمكن أن تكون الرؤية يومئذ بنوع من الانكشاف والتجلي من غير حاجة للباصرة ولا محاذاة لها ، ويدل على ذلك قوله وجوه ولم يقل عيون ، وفي قوله ناضرة ما يفصح عن حصول السرور التام لها بذلك الانكشاف . ثم قال : وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه إشارة حسية فقد أشار أعرف الخلق بالله تعالى إليه بإصبعه رافعاً لها إلى السماء ، إلخ . . . فأقول : إن بداهة العقل حاكمة بأن المشار إليه بالإشارة الحسية لا بد أن يكون في جهة ومكان وأن يكون مرئياً ، وكل ذلك مستحيل على الله تعالى ، لأنه تعالى لو كان في مكان جهة لزم قدم المكان أو الجهة ، وقد قام البرهان على أن لا قديم سوى الله تعالى . وأيضاً : لو كان في مكان لكان محتاجاً إلى مكانه ، وهو ينافي الوجوب . وأيضاً : لو كان في مكان ، فإما أن يكون في بعض الأحيان أو في جميعها .