وهو في آيات الجنة يخسر فوائد أساسية من المقايسة بين أهل الجنة وأهل النار ، وهي مقايسة لم يتنازل عنها القرآن حتى في المشاهد الصغيرة ، لأن الحديث عن الجنة والنار ، والإيمان والكفر ، والمؤمنين والكافرين ، لا يصح إلا في جو الجدلية الطبيعية بينهما ، وإلا فَقَدَ كثيراً من معانيه ، وأبعاده ، وأضوائه ، وأجوائه ! ونكتفي بمثال هو قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ . ( البيّنة : 7 - 8 ) . فالآيتان صورة لنخبة البشر ، صلوات الله عليهم ، المتصفين بالإيمان بربهم ورسالاته ، وبعمل الخير في عبادة ربهم وخدمة عباده . وبعد تقرير أنهم خير البشر ، تحدثت الآية الثانية عن استقرارهم عند ربهم ، وجزائه إياهم بجنات عدن ، فهي جناتٌ وليس جنة واحدة ، وكلها جناتُ عدن لا غيرها ، والأنهار تجري من تحتها لا من تحت ساكنيها ، كما قال : أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ . ( الكهف : 31 ) . وخلودهم موصوف بالأبدية ، وهو وصف ليس مطرداً في القرآن ، فقد ورد الخلود بدون التأبيد كقوله تعالى : لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا . ( آل عمران : 15 ) . ثم ذكرت الآية الرضا المتبادل بينهم وبين رب العالمين ! وختمت المشهد بحيثية جزائهم ، بأنهم كانوا يخشون ربهم .