والكفر في هذه الآية البراءة ، يقول : يبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان : إني كفرت بما أشركتمون من قبل . وقول إبراهيم خليل الرحمن : كفرنا بكم . يعني تبرأنا منكم . ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه ، فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معائشهم ، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله فلا يزالون يبكون الدم . ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين ، فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم . ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود ، فتشهد بكل معصية كانت منهم . ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم : لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ . ثم يجتمعون في موطن آخر فيُستنطقون ، فيَفِرُّ بعضهم من بعض ، فذلك قوله عز وجل : يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه . فيُستنطقون فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن ، فذلك قوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا . ثم يجتمعون في موطن آخر ، يكون فيه مقام محمد ( ص ) وهو المقام المحمود ، فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يُثْنَ عليه أحد قبله ، ثم يثني على الملائكة كلهم ، فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد ، ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة ، يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين ، فيحمده أهل السماوات والأرض ، فذلك قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .