أقول : هذا منطق قوي لم يستطع فقهاء المذاهب الأخرى ، أن يواجهوه ، فتمسكوا بأقوال واهية ، لقدماء ومتأخرين .
ومنها أدلة أوهن من بيت العنكبوت ، استعملوا فيها التلفيق والحيلة ، كفتوى لجنة مشايخ الوهابية المسماة : اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، والمسماة هيئة كبار العلماء ! فقد جاء في فتاويها ( 1 / 59 ) قولهم : ( الأصل في الأموات أنهم لا يسمعون نداء من ناداهم من الناس ، ولا يستجيبون دعاء من دعاهم ، ولا يتكلمون مع الأحياء من البشر ولو كانوا أنبياء ، بل انقطع عملهم بموتهم ، لقول الله تعالى : وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ) .
فحشوا الموضوع بآية النهي عبادة المعبودين من دون الله تعالى ، وهي غريبة عنه ! واستدلوا بها وبعدم سماع الميت لصوت الحي ، على أن معنى انقطاع عمله في الحديث النبوي انقطاع وصول عمل الأحياء المهدى إليه ! وهذا من هرطقتهم .
ومن أحسن من حرر هذه المسألة الفقهية الشهيد الثاني ( قدس سره ) في كتابه ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ( 2 / 66 ) وذكر إجماع فقهائنا على أن الأعمال تصل إلى الميت ، واستدل بآيات وأربعين حديثاً ، منها قوله تعالى : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ . ومعناه أن نفع الاستغفار يصل إليهم .
وكذلك قوله تعالى : وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ .
واستدل بقول النبي ( ص ) : اللهم اغفر لحينا وميتنا . وقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : إن الميت يفرح بالترحم عليه والاستغفار له ، كما يفرح الحي بالهدية تهدى إليه .

155