ونحن . . . وإن كنا نحتمل المعنى الذي ذكره المنذري ، إلا أن ما جعله مؤيدا ، لا يصلح للتأييد ، إذ أن الظاهر هو : أن هذه الفقرة في صدر بيان كراهة جعل القبور في بيوتهم . وإن دفن النبي ( ص ) في بيت ابنته فاطمة ( 1 ) إنما كان لمصلحة خاصة اقتضت ذلك ، فليس لهم أن يتخذوا ذلك مؤشرا على رجحان الدفن في البيوت " وذلك لأن للأنبياء خصوصية ليست لغيرهم ، وهي أنهم يدفنون حيث يقبضون " . ( 2 ) فلا يصح ما ذكروه من أنه ( ص ) لم يدفن في الصحراء ، لئلا يصلى عند قبره ، ويتخذ مسجدا فيتخذ قبره وثنا . ( 3 ) وذلك لما قدمناه من الرواية المقتضية للخصوصية . هذا بالإضافة إلى أن دفنه في بيته أدعى لأن يتخذ مسجدا ، خصوصا وأنه متصل بالمسجد النبوي ، ولو كان في الصحراء ، لأمكن المنع عنه بصورة أسهل . . . وقد منع عمر من الصلاة عند شجرة بيعة الرضوان ، فامتنع الناس ، ولذلك نظائر أخرى . ( 4 ) وأما بالنسبة لفقرة : " لا تتخذوا قبري عيدا . . . " . . فيحتمل قويا : أن يكون المراد : أن اجتماعهم عند قبره ( ص ) ينبغي أن يكون مصحوبا بالخشوع والتأمل والاعتبار ، حسبما يناسب حرمته واحترامه ( ص ) ، فإن حرمته ميتا كحرمته حيا . . فلا يكون ذلك مصحوبا باللهو واللعب والغفلة والمزاح ، وغير ذلك مما اعتادوه في أعيادهم . . . ولعل هذا هو مراد السبكي حينما قال : " ويحتمل : لا تتخذوه كالعيد في الزينة والاجتماع وغير ذلك ، بل لا يؤتى
1 - لقد نشرنا مقالا أثبتنا فيه أنه ( ص ) دفن في بيت فاطمة ، لا في بيت عائشة فراجع كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام / ج 1 . 2 - مقدمة شفاء السقام / ص 125 / 126 والتوسل بالنبي وجهلة الوهابيين . 3 - راجع : مقدمة شفاء السقام ، المسماة : تظهير الفؤاد من دنس الاعتقاد / ص 118 ، والصارم المنكي / ص 261 / 262 ، والتوسل بالنبي وجهلة الوهابيين / ص 151 . 4 - راجع : الدر المنثور / ج 6 / ص 73 ، عن منصف ابن أبي شيبة ، وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي / ص 144 و 145 ، والسيرة الحلبية / ج 3 / ص 25 ، وفتح الباري / ج 1 / ص 469 ، و ج 7 / ص 345 ، وإرشاد الساري / ج 6 / ص 350 ، وطبقات ابن سعد / ج 2 ، قسم 1 / ص 73 ، وشرح النهج للمعتزلي / ج 1 / ص 178 ، وراجع الغدير / ج 6 / ص 146 و 147 عن من تقدم وعن غيره ، وكذا كتاب التبرك / ص 226 - 235 عن من تقدم وغيره .