وهذا هو الفارق ، بين موقف الواعظ ، وموقف المذهب الاقتصادي . فان الواعظ ، ينصح بالعدل ، ويحذر من الظلم ولكنه لا يضع مقاييس العدل والظلم ، وانما يدع هذه المقاييس إلى العرف العام المتبع ، لدى الواعظ وسامعيه . واما المذهب الاقتصادي ، فهو يحاول أن يضع هذه المقاييس ، ويجسدها في نظام اقتصادي ، مخطط ، ينظم مختلف الحقول الاقتصادية . فلو ان الإسلام ، جاء ليقول للناس ، اتركوا الظلم ، وطبقوا العدل ، ولا تعتدوا على الآخرين ، وترك للناس ، ان يحددوا معنى الظلم ، ويضعوا الصورة التي تجسد العدل ، ويتفقوا على نوع الحقوق التي يتطلبها العدل ، وفقا لظروفهم ، وثقافتهم ، وما يؤمنون به من قيم ، وما يدركونه من مصالح وحاجات . لو أن الإسلام ترك كل هذا للناس ، واقتصر على الامر بالعدل والترغيب فيه ، والنهي عن الظلم والتحذير منه ، بالأساليب التي يملكها الدين للاغراء والتخويف ، لكان واعظا فحسب . ولكن الإسلام ، حين قال للناس ، اتركوا الظلم ، وطبقوا العدل ، قدم لهم في نفس الوقت ، مفاهيمه عن العدل والظلم وميز بنفسه ، الطريقة العادلة ، في التوزيع والتداول والانتاج عن الطريقة الظالمة . فذكر مثلا ، ان تملك الأرض بالقوة ، وبدون احياء ، ظلم ، وان الاختصاص بها ، على أساس العمل والاحياء ، حق ، وأن حصول رأس المال ، على نصيب من الثروة المنتجة باسم فائدة ، ظلم ، وحصوله على ربح ، عدل . إلى كثير من ألوان العلاقات ، والسلوك ، التي ميز فيها الإسلام بين الظلم والعدل . وأما حث الإسلام للأغنياء ، على مساعدة إخوانهم ، وجيرانهم من الفقراء ، فهو صحيح ، ولكن الإسلام ، لم يكتف بهذا الحث وهذه التربية الخلقية ، للأغنياء ، بل