وفضلنا عليكم ، وعفونا وصفحنا عمّا سلف من أموركم ، وقد سرّحناكم لما اتصل بنا من شهرتكم ومن خلَّفتموه وراءكم في سراحكم وشوق / بعضكم لبعض ، فآثرنا إسعافكم بذلك والمنّ به عليكم . فاعرفوا ذلك وتلقّوه بالشكر وحميد السعي وحسن الطاعة تتعرّفوا منّا المزيد عنكم [1] ، ويتّصل فضلنا لديكم ومعروفنا عندكم . وليعلم من أدنى إلينا بالنّسب منكم أنّ ذلك إنّما يتوسّل به من اعتصم بالطاعة وتمسّك بها ، فأمّا من عصى أولياء اللَّه وخالفهم فقد انقطع نسبه [2] منهم ، كما قطع اللَّه ( تع ) نسب ابن نوح منه لمّا عصاه ، ولولا أنّ اللَّه افترض الطاعة لنا على كافّة خلقه وقرنها بطاعته وطاعة رسوله ، وجعلها دينا تعبّد العباد به ، وأقامنا [3] لإقامة دينه ، لما عبأنا بمن أطاع منكم ولا من عصى ، ولكنّا / إنّما نريد بذلك إقامة ما أمرنا اللَّه - تعالى - به من إقامة دينه . ولو أنّ هذا الفاسق ابن بكر أطاعنا ما بخلنا عليه بفاس وما هو أعظم منها ، وما لذلك عندنا ولا للدنيا بأسرها من خطب نبتغيه ممّن تغلَّب ، ولا نقيم أنفسنا لمحاربته لولا ما افترض اللَّه ( تع ) علينا من ذلك واستخدمنا له . ولو سلَّم ذلك إلينا الفاسق ومن تمسّك به وأطاعه على معصيتنا لما عرّضوا [4] أنفسهم للتّلف وحرمهم للانتهاك ، وإن كان ما جبلنا اللَّه عليه من الصّفح والمرحمة منعنا من انتهاكها - وقد عرّضوها للانتهاك - ومن سفك دمائهم وهلاكهم عن آخرهم - وقد استهدفوا بها للسفك وبأنفسهم للهلاك - ولكنّا عفونا عند المقدرة ، وصفحنا بما جبلنا اللَّه ( تع ) عليه من الصفح والمرحمة ، وأبقينا على من بقي منهم ومن أقدرنا اللَّه تعالى عليه من جميعهم ، وصنّا حرمهم ، وعففنا عن دمائهم . وما لهذا الفاسق الذي أقدرنا اللَّه ( تع ) عليه ، بعد الذي كان منه من مناصبتنا وحربنا بعد عفونا قديما عنه وإحساننا إليه ، من المقدار ما يوجب عقلته وإبقاءه إلَّا لما أردنا أن يديم اللَّه ( تع ) به حسرته من كونه في الأسر ، ونظره إلى فضل اللَّه علينا وعلى من ننيله إيّاه ممّن رأينا المنّ عليه والإحسان إليه منكم ومن أمثالكم ممّن آثر طاعتنا والتسليم لأمرنا وأناب إلينا ولم / يصرّ على معصيتنا ، فيعلم أنّ اللَّه ( تع ) لو أراد به
[1] ب : عنده . [2] أ : نسبته . [3] ب : نقص من « بضاعته » إلى « وأقامنا » . [4] أ : عرض .