اللَّه عزّ وجلّ بأمر الإمامة إليه إلى اليوم [1] . وأنا دائب في ذلك إلى أن ينقضي عمري إن شاء اللَّه تعالى ، ويصلها من بعدي من عقبي وأعقابهم بتوفيق اللَّه إيّاهم بطول بقاء وليّه ، ودوام عزّه وسلطانه ، ولا حول ولا قوّة إلَّا باللَّه . ثمّ رأيت وجوها من الحكم والعلم والآداب والمعرفة تنفجر عن منطقه وتندفع من ألفاظه وتشير عن رمزه وإشارته ، ولا تجري مجرى السّير / التي صنّفتها ، ولا تدخل في أبوابها التي ألَّفتها ، على ما في تلك السير من الحكمة والعلم والمعجزات ، والبراهين والدلائل والآيات . فرأيت إفراد هذه في كتب تشبهها وتليق بها ، وأن أفرد السّير في كتابها مع ما شاكلها وكان من معناها ، وأن أذكر في هذا الكتاب ما سمعته من المعزّ صلوات اللَّه عليه من حكمة وفائدة وعلم ومعرفة ، عن مذاكرة في مجلس أو مقام أو مسايرة ، وما تأدّى إليّ من ذلك عن بلاغ أو توقيع أو مكاتبة ، على تأدية المعنى دون اللفظ [2] حقيقة بلا زيادة ولا نقص ، بعد بسط العذر في / التخلَّف عن تأدية حقيقة لفظه بحسبه ، إذ هو الجوهر الذي لا يتعاطى البشر صنعته ، بل اللَّه الذي أبدع خلقه . بل هو خير من الجوهر ، كما ذكر سفيان الثوري [3] أنّه دخل على جعفر بن محمّد صلوات اللَّه عليه ، فحدّثه بحديث بألفاظ لم يقف سمع سفيان / على / مثلها ، فما تمالك إذ سمعها أن قال : هذا واللَّه الجوهر . فقال له جعفر ابن محمّد : يا سفيان ، بل هو واللَّه خير من الجوهر ، هل الجوهر إلَّا الحجر ؟ ( قال ) : فقلت : اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته .
[1] أشار النعمان إلى هذه السيرة في آخر كتابه « افتتاح الدعوة » ( ص 338 من طبعة الدشراوي وص 282 من طبعة وداد القاضي ) فقال : وقد أثبت سيرة المعز وما خصه اللَّه به من فضله مذ أفضى إليه بخلافته إلى وقت بسطي هذا الكتاب ، وقتا فوقتا ويوما فيوما » ويعتقد الدكتور الدشراوي ان هذه السيرة إنما هي كتاب المجالس والمسايرات . فيكون النعمان قد فرغ منه سنة 346 ، وهو مخالف لما يأتي في المجالس ( ص 332 ) من إشارة إلى أعمال عمرانية أمر بها المعز سنة 348 وكذلك خبر الاعذار الجماعي سنة 351 . وهذا وغيره يؤكد أن هذه السيرة كتاب آخر ، غير المجالس ، وغير المنظومة « ذات المنن » في سيرة المعز ( عدد 99 من قائمة إيقانوف ) . هذا ويعود النعمان في ص 297 من المجالس والمسايرات إلى ذكر كتاب دون فيه كلام المعز وفعله ، وعرضه عليه . ولا ندري صلته بالسيرة المذكورة هنا ولا بكتاب المجالس نفسه . [2] في الأصل : على تأدية المعنى عن اللفظ دون حقيقة . وقد تكون القراءة أيضا : على تأدية حقيقة المعنى دون اللفظ . [3] سفيان الثوري : أحد كبار المحدثين ، توفي سنة 161 / 778 .