والحكومة أن يساوي بين القويّ والضّعيف ، ويعدل بين الشّريف والمشروف في قوله وفعله ولفظه ولحظه وتقريبه وإبعاده ومجلسه ، كما جاء الأمر عن آبائنا صلوات اللَّه عليهم : من تقلَّد القضاء به [1] فمن ابتغى خلاف هذا منه لم يرضه إلَّا أن يحكم أيضا بما أحبّه له . وفي هذا - دون غيره - غاية الخزي لمن فعله . وحسب خصم من فعل به هذا نظرا إلى ظاهر جور من فعله عليه ، وردعا له عن حجّته / ووهنا في قوّته . فمثل هذا ينقمه من نقم عليه من اتّباع أمرنا وامتثال عهدنا . وحسب من خالفه نقصا عند اللَّه وعندنا ، ومن قام به ، مثوبة من اللَّه وحظوة لدينا . فما عوّلت لمّا سمعت ذلك منه إلَّا على تقبيل الأرض ، ونظرت إلى ما عسى أن كنت أحتجّ به وأقوله . فقد قال ( صلع ) فوق ما كنت أؤمّله وأجده . ثمّ طال تفكَّري وكثر تعجّبي وزادت بصيرتي وقويت بواهره وما تقدّم من اعتقادي أنّ اللَّه يمدّه عندي من علمه بأمر لم أرفعه إليه كراهية أن أطري به نفسي لديه . وقد علمت أنّ كثيرا من النّاس يكرهني عليه لما أحدثه قضاة السّوء من / الأثرة والذّمام [2] لذوي السلطان ومن يرتجى نفعه من العوامّ ، والرشوة وغير ذلك من حديث الطعمة فوعّروا طرق القضاء على سالكه من حيث يجب أن يسلك فيه ، وحملوا من عوّدوه ذلك على الحنق عليه . ولكنّ اللَّه ذا الطَّول والإنعام والآلاء والإحسان قد منح وليّه من التّوفيق والبصيرة وما أمدّه به من الآلاء الجسام والتّوفيق والمعونة وأيّده به من الإرشاد والهداية ، ما كشف له عن كثير من سرائر الصّدور وخفيّات الأمور ، وأطلعه على حيل المحتالين واستدارات المستديرين وغوائل المغتالين ، فلن يعود البغي عنده / إلَّا على من بغى وغدر * ( « ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه [3] » ) * وبرأس من مكر . فأضحى وأمسى بحمد اللَّه الحقّ وأهله به في عزّة ورفعة ومنعة ، والباطل وحزبه في خزي وضعة . وهممت بذكر ما دعا قائل ذلك ومن رفعه إليه من قطعي عنه ما عوّده غيري من التأكَّل به واهتضام الحقوق على يديه ، وأنّ ذلك
[1] العبارة غامضة ولعل بها نقصا : من تقلد القضاء [ فليعمل ] به . ولم نجد هذا الأمر في ما نقله النعمان عن « آداب القضاة » في الدعائم ج 2 ، 527 وما يليها . [2] الذمام : كل حرمة تلزمك إذا ضيعتها المذمة . وهي بمعنى : الضمان والحرمة والحق . انظر اللسان « ذمم » . [3] فاطر ، 43 .