بها ، وقد كان أمرهما بالمقام فيها [1] فكتب إليهما في ذلك كتابا غليظا ، وشدّد عليهما فيه وأمرهما بالرّجوع إلى حيث أمرهما بالمقام به ساعة وصول كتابه ، ففعلا ، فكان ، لذلك ، الفتح العظيم ، وسبقا عساكر طاغية الروم إلى موضع لو سبقهم إليه لما تهيّأ ذلك الفتح ، فهزماها ، واحتوت [ هم ] عساكر المسلمين ، وأثخنوا بالقتل فيها ، وكان ذلك بسبب / رأيه المقرون بالتوفيق . ( قال ) وكان في كتابه إليهما : كأنّي بكما قد قلتما لمّا رأيتما الانصراف إنّ الحاضر يرى ما لا يرى الغائب وقدّرتما في أنفسكما أنّكما الحاضران لما قبلكما وأنّي أنا الغائب عنه . وليس كما ظننتما ، بل أنا الحاضر لذلك وأنتما الغائبان عنه . ثمّ قال المعزّ لدين اللَّه عليه السلام : وهو كما قال المنصور ( ص ) : الحاضر للأمر وإن غاب عنه ، من أحضره اللَّه ( عج ) توفيقه ، وجعله سببا بينه وبين خلقه ، فهو الحاضر لأمورهم وإن غاب شخصه عنها وحضروا هم فيها . ( قال ) وسمعته عليه السلام يوما وعنده جماعة من شيوخ كتامة وهو يحدّثهم ويعظهم ، / فكان فيما قال لهم : يكفيكم من وصايانا إليكم أنّا نأمركم أن تقتدوا بنا في جميع الأمور كلَّها : ما رأيتمونا نحبّه ونفعله ونأمر به فعلتموه وأمرتم به . وما رأيتمونا نكرهه ونجتنبه كرهتموه وتجّنبتموه . ففينا واللَّه لكم خير أسوة حسنة . واللَّه إنّها وصيّة المنصور عليه السلام لي وقد احتضر ، قال لي : إنّي أجمع لك الوصايا كلَّها في كلمة واحدة ، فانظر : فما كنت رأيتني أفعله فافعله . وما كنت رأيتني تركته فاتركه ، واصنع بعد وفاتي ما كنت رأيتني أصنع في حياتي . فنعم السلف أنا لك ! [2] / .
[1] أي في قلورية من جنوب إيطاليا . [2] ورد في آخر الصفحة عبارة : تم الكتاب . وانما هو تمام نسخة المكتبة الآصفية بحيدر آباد رقم 4590 تاريخ .