وربّما فكَّر القائم مدّة في صرف الخلافة إلى المعزّ مباشرة فيعترف له بأنّه آثره على أبيه ، حتى صار يشفق عليه من نقمة المنصور : « إنّ أخوف ما أتخوّفه عليك من أبيك ما علمه من إيثاري إيّاك وما أعلمه « من ميله إلى أمّهات إخوتك ، فأخشى أن يعدل بهذا الأمر عنك إلى غيرك « منهم . . . ولولا صغر سنّك اليوم ما عدتك [1] » . 3 - المنصور : أمّا المنصور ثالث الخلفاء فقد ذكر في الكتاب أكثر من سالفيه . وسبب ذلك أنّه مصدر كلّ الأخبار التي تخصّ المهديّ والقائم ، فعنه يروي المعزّ ، وبه يستشهد وبأقواله يتمثّل . وكانت فتنة أبي يزيد عند تولَّي المنصور قد استفحلت وعمّت أرجاء إفريقيّة ، فجمع قواه وقضى عليها بجهد جهيد [2] . ويبدو أنّ كثيرا من المؤرّخين القدامى اعتمدوا - في عرضهم لفتنة أبي يزيد - على ما سجّله القاضي النعمان في كتبه : من هؤلاء المؤرّخين ، المقريزي في ترجمته للمنصور في كتابه « المقفّى [3] » . وكان حادّ الذهن عالما شجاعا حازما ، تولَّى المهديّ تربيته فكان يطلعه على كتب الدعوة وعقيدة أهل البيت [4] ، فنشأ محبّا للكتب والعلم . وكان صارما مهابا لا يسمح لأحد من الأولياء بالتواني فيما يكلَّفه به ، فنراه مثلا يلوم النعمان على تقصيره في القضاء ، وينهاه عن السجود له ، وربّما تعرّض منه المعزّ نفسه إلى اللوم .
[1] ص 469 . [2] ص 72 و 113 و 447 . [3] نشكر الدكتور سهيل زكار الذي أمدنا بنص هذه الترجمة المخطوطة . [4] ص 502 .