مواليا علينا المشركين كيف قد صرفنا الحدّ [1] إلى المشركين عن أصحابه ، وإن كانوا للشرّ مستحقّين ، لبغيهم علينا ، وتزحّفهم إلينا . إلَّا أنّا آثرنا ما يجب إيثاره وأعرضنا عنهم ، فعجّل اللَّه انتقامه على أيدي أوليائنا . فمن تراه أرأف بالمسلمين وأرحم لأهل الدين ، نحن أم صاحبك ؟ أم كيف رأيت اللَّه أقدرنا بفضله على الفريقين وأمكننا من الطائفتين ؟ ولقد سألنا المشركون موادعتهم حينئذ ومال إلى ذلك جماعة من / أوليائنا ليصرفوا وجوههم إلى أصحابك ، فأبينا ذلك لئلَّا يرى المشركون أنّا وادعناهم على خوف منكم ومنهم ، حتّى إذا هزمنا أساطيلهم وقتلنا حماتهم وحللنا بعقوة [2] ديارهم ، وأثخنّا بالقتل فيهم ، وامتلأت أيدي أوليائنا من سبيهم وغنائمهم ، ورأينا أنّ الذي هو أفضل للمسلمين أن نوادعهم مدّة نستجمّ [3] بها ووادعناهم على أموال ألزمها نفسه لنا ملكهم وهو لا يلزم نفسه ذلك لأحد غيرنا بمشرق الأرض ولا مغربها ، جزية يؤدّيها إلينا ، وإطلاق أسارى أهل المشرق الذين في يديه لنا ، وعلى شرائط يطول ذكرها ، شرطناها عليه شرط العزيز على الذّليل . فمن / أرحم بالمسلمين ، نحن أم من والى عليهم المشركين مخالفا لما أنزل اللَّه في الكتاب المبين ، إذ يقول وهو أصدق القائلين : * ( « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ » ) * الآية [4] . أفما رأيت أساطيل صاحبك وقد خرجت أساطيلنا لقتال أوليائه من المشركين ، وهي تنزل في مراسي المغرب لا تمرّ بمرسى إلَّا نزلت فيه ووضع من فيها الحرب على أهليه ، فجعل اللَّه الدائرة فيهم والهزيمة عليهم والقتل في رجلهم [5] ؟ أفهؤلاء الذين أوقعوا هذا الإيقاع بهم عندك وعند صاحبك مسلمون أم مشركون ؟ فإن كانوا من المسلمين ، وهم لم يخرجوا إليه ولا تعرّضوه ،
[1] في الأصل : الجد . [2] العقوة : ما حول الدار . [3] قراءة ظنية ، وفي الأصل : نثجهم ، ولعلها : نثلجهم . [4] الممتحنة ، 1 . [5] الرجل بالكسر ج أرجال : الطائفة من الشيء ، والقطعة العظيمة من الجراد خاصة ، وقد تكون بالفتح اسم جمع على قول سيبويه .