فقلت : السؤال علم يا أمير المؤمنين ، وكيف بمعرفة ما ينبغي السؤال عنه ؟ فقال : ليتهم يسألون [1] عمّا لا يجب فكنّا نجيبهم بما يجب ! واللَّه ما أنا بضنين فيما عندي على من يستحقّه ولا بجبّار يتهيّب / السائل أن يسأله ! واللَّه إنّي لأرى لعبيدي من القدر عندي بما يجب عليهم أن يروه لي ، وأتواضع لهم حتّى أقول إنّي قد سبّبت لهم سبب الجرأة عليّ . فقد قيل : أشدّ الناس جرأة على الأسود من أدمن على قربها وبقدر بعدها من الناس تكون في صدورهم هيبتها . قلت : يقول ذلك من لا تمييز له ولا رأي ، وكم من سائس لها قد صرعته ومزّقت أشلاءه ! بل يجب في الحقيقة أن يكون أهيب الناس لها وأخوفهم لجانبها من قرب منها . فقال : واللَّه لقد خدمت القائم بأمر اللَّه صلوات عليه ، وكان يؤثرني من القرب والاختصاص / بما لم يكن يؤثر به أحدا من الناس ، ولقد كان على ذلك في صدري من هيبته وجلالته ما لا يكاد أن يكون في صدر أحد مثله [2] . واللَّه إنّي لأذكر شيئا ما أعلم [3] أنّي ذكرته قبل وقتي هذا : إنّي كنت يوما أمشي خلفه وأنا حديث السنّ ، فنظرت إليه وملأت منه عيني فملأت صدري هيبته فإنّي لعل ذلك ، وجعلت أنظر إليه مرّة وإلى السماء مرّة وأقول في نفسي : هذه - في هذه الأرض [4] - لا حاكم عليه فيها ولا سلطان إلَّا اللَّه في سمائه ، وكلَّما نزّلت ذلك في نفسي تزيّدت جلالته في عيني وهيبته في صدري ، فإنّي لعلى ذلك ، إلى أن انفتل إليّ فأخذني وضمّني إلى صدره وقال : يا بنيّ ، لا جعل اللَّه في صدرك ما في صدر مولاك ! يعني ما كان يحاوله [5] من الغموم - فعجبت لذلك وكيف جاء منه بعقب ما جال بقلبي من أمره . وأمّا المنصور عليه السلام فقد علمتم كيف كان تعظيمي إيّاه وإجلالي له وهيبته في صدري .
[1] في الأصل : يسألوا . [2] في الأصل : مثله آله وملأت . والكلمتان نقلهما الناسخ سهوا من السطرين المواليين . [3] في الأصل : ما نعلم . [4] هذه الاعتراضية تفسر اسم الإشارة : وأعني هذه الأرض . [5] كذا في الأصل ، وليس ل « حاول » هذا المعنى في المعاجم . ولعلها : يحار له ، أو محرفة عن : يحمله .