علما به وبجميع أسبابه ، فلا يبقى عليه شيء منه ، لفتح له ذلك من ذلك العلم ما بعده ولسهل عليه حفظه ولبلغ منه المبلغ الذي يحبّه إذا كان . كذلك لا ينظر في باب منه إلَّا بعد حفظ الباب الذي تقدّمه والعمل فيه على ما وصفته . فالنّاس في ذلك يقصرون بأنفسهم ويتخلَّفون باستعجالهم . وكذلك لو اقتصر أحدهم على علم من العلوم قد رغب / فيه ومالت به الشّهوة إليه ووجد نفسه تميل نحوه ، لبرع فيه ولكنّهم يريدون أن يتفنّنوا في العلوم ويسارعوا إلى غاياتها ويحبّون أن يحتووا عليها . ولم يجعل اللَّه ذلك إلَّا لمن اختصّه بالفضيلة وأبانه بالعلم والحكمة من أوليائه الذين هم أحوج خلقه إليه وأفقرهم إلى ما عنده [1] . فمن تعاطى في ذلك أن يبلغ مبلغهم أو يدرك شأوهم قعد به التّقصير ولم تساعده المقادير . كلام في الخير والشرّ ذكر في مجلس [2] : 163 - ( قال ) وذكر يوما صلوات اللَّه عليه الخير والشرّ والحقّ والباطل ، فقال : ما يقول هؤلاء - يعني العوامّ - في ذلك ؟ قلت : الذي يقولونه قد علمه أمير / المؤمنين . قال : قل عليّ ذلك ، ما أمثل قولهم عندك فيه ؟ قلت : قالوا في قول اللَّه ( عج ) * ( « وهَدَيْناه النَّجْدَيْنِ [3] » ) * ، فذكروا أنّ النّجد في اللَّغة : الطريق في ارتفاع . فقالوا : أراد ( عج ) أنّه هدى النّاس طريق الخير وطريق الشرّ عرّفهم إيّاهما . فمن اهتدى ، كما قال ( عج ) ، فلنفسه ، ومن ضلّ فعليها [4] . وقد قامت حجّة اللَّه على العباد بما بصّرهم من ذلك . فقال : وكيف يجوز أن يهديهم إلى الشرّ ؟ لو هداهم إليه فاهتدوا بهداه لكانوا مطيعين إن فعلوه . قلت : إنّما معنى قولهم : هداهم إليه ، أي عرّفهم إيّاه ليجتنبوه ، وكذلك أمرهم أن يدعوه * ( « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [5] » ) * ، أي طريق الحقّ / .
[1] أ : الذين أحوج خلقه إليه وأفقرهم إلى ما عندهم ب : الذين أحوج خلقه إليهم وأفقرهم إلى ما عندهم [2] ب : كلام فيه رمز من التأويل ذكر في مجلس . [3] البلد ، 10 . [4] صواب الآية : فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ( الزمر ، 41 ) . [5] الفاتحة ، 6 .