رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووصيّته به وبأهل بيته ، فأمسى مجفَّواً في حفرته ، صريعاً بين قرابته وشيعته ، بين أطباق التراب ، قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جدّه ، والمنزل الذي لا يأتيه إلاَّ من امتحن الله قلبه للإيمان وعرَّفه حقَّنا ، إلى أن قال ( عليه السلام ) : ولقد حدَّثني أبي أنه لم يخلُ مكانه منذ قُتل من مصلٍّ يصلّي عليه من الملائكة ، أو من الجن ، أو من الإنس ، أو من الوحش ، وما من شيء إلاَّ وهو يغبط زائره ويتمسَّح به ، ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره . ثمَّ قال : بلغني أن قوماً يأتونه من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ، ونساء يندبنه ، وذلك في النصف من شعبان ، فمن بين قارىء يقرأ ، وقاص يقصّ ، ونادب يندب ، وقائل يقول المراثي ، فقلت له : نعم جعلت فداك ، قد شهدت بعض ما تصف ، فقال : الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا ، وجعل عدوَّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم ، يهدرونهم ويقبِّحون ما يصنعون ( 1 ) . وعن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : إن المحرَّم شهر كان أهل الجاهلية يحرِّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حرمة في أمرنا ، إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلَّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام ، ثم قال ( عليه السلام ) : كان أبي إذا دخل شهر المحرَّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته