ولمَّا جنَّ الليل جاء البنَّاء في ظلمته ، وأخرج ذلك العلويَّ من جوف تلك الأسطوانة ، وقال له : اتقِ الله في دمي ودم الفعلة الذين معي ، وغيِّب شخصك ، فإني إنما أخرجتك في ظلمة هذه الليلة من جوف هذه الأسطوانة لأني خفت إن تركتك في جوفها أن يكون جدّك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة خصمي بين يدي الله عزَّ وجلَّ ، ثمَّ أخذ شعره بآلات الجصَّاصين كما أمكن ، وقال له : غيِّب شخصك بنفسك ، ولا ترجع إلى أمك ، قال الغلام : فإن كان هذا هكذا فعرِّف أمي أنّي قد نجوت وهربت ، لتطيب نفسها ، ويقلَّ جزعها وبكاؤها ، إن لم يكن لعودي إليها وجه ، فهرب الغلام ، ولا يُدرى أين قصد من أرض الله ، ولا إلى أيِّ بلد وقع ؟ قال ذلك البنَّاء : وقد كان الغلام عرَّفني مكان أمه ، وأعطاني العلامة شعره ، فانتهيت إليها في الموضع الذي كان دلَّني عليه ، فسمعت دويّاً كدويِّ النحل من البكاء ، فعلمت أنها أمه ، فدنوت منها وعرَّفتُها خبرَ ابنها ، وأعطيتُها شَعرَه ، وانصرفت ( 1 ) . ويروى فيما جرى على العلويين من آل الحسن ( عليه السلام ) أيَّام المنصور أنهم أُخذوا فصفِّدوا في الحديد ، ثمَّ حُملوا في محامل أعراء لا وطاء فيها ، ووقفوا بالمصلى لكي يشتمهم الناس ، فكفَّ الناس عنهم ، ورقّوا لهم للحال التي هم فيها ، ثمَّ انطلقوا بهم حتى وقفوا عند باب مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو الباب الذي يقال له باب جبرئيل ( عليه السلام ) ، فاطّلع عليهم أبو عبد الله ( عليه السلام ) ، وعامّة ردائه مطروح بالأرض ، ثمَّ اطّلع من باب المسجد ، فقال : لعنكم الله يا معشر الأنصار - ثلاثاً - ما على هذا عاهدتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا بايعتموه ، ثمَّ قام وأخذ إحدى نعليه فأدخلها رجله ، والأخرى في يده ، وعامة ردائه يجرُّه في الأرض ، ثمَّ دخل في بيته فحمَّ عشرين ليلة ، لم يزل يبكي فيها الليل والنهار حتى خيف عليه . وروي أنه لمَّا طلع بالقوم في المحامل قام أبو عبد الله ( عليه السلام ) من المسجد ، ثمَّ
1 - عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، الصدوق : 2 / 102 ح 2 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 47 / 306 .