مخدَّرة ولا محجَّبة إلاَّ برزن من خدورهن وهن بين باكية ونائحة ولاطمة ، فلم ير يوم أمرّ على أهل المدينة منه ، وسألوه : من أنت ؟ قال : فقلت : أنا بشر بن حذلم ، وجَّهني علي بن الحسين ، وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله ونسائه ، قال : فتركوني مكاني وبادروني ، فضربت فرسي حتى رجعت إليهم ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطَّيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط ، وكان علي بن الحسين داخلا فخرج وبيده خرقة يمسح بها دموعه ، وخادم معه كرسي ، فوضعه وجلس وهو مغلوب على لوعته ، فعزَّاه الناس ، فأومأ إليهم أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم فقال ( عليه السلام ) : الحمد لله ربّ العالمين ، مالك يوم الدّين ، بارىء الخلائق أجمعين ، الذي بُعد فارتفع في السماوات العلى ، وقرُب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب . أيها القوم ، إن الله - وله الحمد - ابتلانا بمصيبة جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبد الله وعترته ، وسبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عالي السنان . أيها الناس ، فأيُّ رجالات منكم يُسرُّون بعد قتله ؟ أم أية عين منكم تحبس دمعها وتضنّ عن انهمالها ؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار والسماوات والأرض والأشجار والحيتان والملائكة المقرّبون ، وأهل السماوات أجمعون . أيها الناس ، أيُّ قلب لا ينصدع لقتله ؟ أم أيُّ فؤاد لا يحنّ إليه ؟ أم أيُّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ؟ أيّها الناس أصبحنا مطرودين مشرَّدين مذودين شاسعين عن الأمصار ، كأنّا أولاد ترك أو كابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ما سمعنا