ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدوّ ، فمضى على وجهه متلدِّداً في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب ؟ حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة ، فمضى حتى أتى إلى باب امرأة يقال لها طوعة ، أم ولد كانت للأشعث بن قيس ، وأعتقها وتزوَّجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا ، وكان بلال قد خرج مع الناس ، وأمه قائمة تنتظره . فسلَّم عليها ابن عقيل فردَّت عليه السلامَ ، فقال لها : يا أمة الله ، اسقيني ماء ، فسقته وجلس ، ودخلت ثمَّ خرجت فقالت : يا عبد الله ، ألم تشرب ؟ قال : بلى ، قالت : فاذهب إلى أهلك ، فسكت ، ثمَّ أعادت مثل ذلك ، فسكت ، ثم قالت في الثالثة : سبحان الله ! يا عبد الله ، قم عافاك إلى أهلك ، فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ، ولا أحلّه لك ، فقام وقال : يا أمة الله ، ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة ، فهل لك في أجر ومعروف ، ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم ، قالت : يا عبد الله ، وما ذاك ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم ، وغرّوني وأخرجوني ، قالت : أنت مسلم ؟ ! قال : نعم ، قالت : ادخل . فدخل إلى بيت في دارها غير البيت الذي تكون فيه ، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش ، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه ، فقال لها : والله إنه ليريبني كثرة دخولك إلى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة ، إن لك لشأناً ، قالت له : يا بنيَّ ، إلهُ عن هذا ، قال : والله لتخبريني ، قالت له : أقبل على شأنك ، ولا تسألني عن شيء ، فألحَّ عليها فقالت : يا بنيّ ، لا تخبرن أحداً من الناس بشيء مما أخبرك به ، قال : نعم ، فأخذت عليه الأيمان فحلف لها ، فأخبرته فاضطجع وسكت . ولما تفرَّق الناس عن مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، طال على ابن زياد ، وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتاً كما كان يسمع قبل ذلك ، فقال لأصحابه : أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحداً ؟ فأشرفوا فلم يجدوا أحداً ، قال : فانظروهم لعلهم