محمد بن الأشعث : قد رضينا بما رأى الأمير ، لنا كان أم علينا ، إنما الأمير مؤدِّب . وبلغ عمرو بن الحجاج أن هانئاً قد قتل فأقبل في مذحج حتى أحاط بالقصر ومعه جمع عظيم ، وقال : أنا عمرو بن الحجاج ، وهذه فرسان مذحج ووجوهها ، لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة ، وقد بلغهم أن صاحبهم قد قُتل فأعظموا ذلك ، فقيل لعبيد الله بن زياد : وهذه فرسان مذحج بالباب ؟ ! فقال لشريح القاضي : ادخل على صاحبهم فانظر إليه ، ثم اخرج فأعلمهم أنه حيّ لم يُقتل ، فدخل شريح فنظر إليه ، فقال هانىء لما رأى شريحاً : يا لله يا للمسلمين ، أهلكت عشيرتي ؟ أين أهل الدين ؟ أين أهل المصر ؟ والدماء تسيل على لحيته ، إذ سمع الضجّة على باب القصر ، فقال : إني لأظنّها أصوات مذحج ، وشيعتي من المسلمين ، إنه إن دخل عليَّ عشرة نفر أنقذوني . فلمَّا سمع كلامه شريح خرج إليهم فقال لهم : إن الأمير لما بلغه كلامكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه ، فأمرني أن ألقاكم وأعرِّفكم أنه حيٌّ ، وأن الذي بلغكم من قتله باطل ، فقال له عمرو بن الحجاج وأصحابه : أمَّا إذا لم يُقتل فالحمد لله ، ثم انصرفوا . فخرج عبيد الله بن زياد فصعد المنبر ومعه أشراف الناس وشُرطه وحشمه ، فقال : أمّا بعد أيها الناس ، فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم ، ولا تفرَّقوا فتهلكوا وتذلّوا وتقتلوا وتجفوا وتحرموا ، إن أخاك من صدقك ، وقد أعذر من أنذر ، والسلام . ثمَّ ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدّون ويقولون : قد جاء ابن عقيل ، فدخل عبيد الله القصر مسرعاً وأغلق أبوابه ، فقال عبد الله بن حازم : أنا - والله - رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانىء ، فلمَّا ضُرب وحُبس ركبت فرسي فكنت أول داخل الدار