فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أمّا بعد ، فإن أمير المؤمنين يزيد ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البرّ ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليتق امرؤٌ على نفسه ، الصدق ينبي عنك لا الوعيد ، ثمَّ نزل ، وأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً فقال : اكتبوا إليَّ العرفاء ، ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ، ومن فيكم من أهل الحرورية ، وأهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق ، فمن يجيء لنا بهم فبريء ، ومن لم يكتب لنا أحداً فليضمن لنا من في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغي علينا باغ ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلال لنا دمه وماله ، أيّما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره ، وألغيت تلك العرافة من العطاء . ولما سمع مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) مجيء عبيد الله إلى الكوفة ، ومقالته التي قالها ، وما أخذ به العرفاء والناس ، خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانىء بن عروة فدخلها ، فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانىء على تستّر واستخفاء من عبيد الله ، وتواصوا بالكتمان . فدعا ابن زياد مولى له يقال له : معقل ، فقال : خذ ثلاثة آلاف درهم ، واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم ، وقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنك منهم ، فإنك لو قد أعطيتهم إياها لقد اطمأنّوا إليك ووثقوا بك ، ولم يكتموك شيئاً من أمورهم وأخبارهم ، ثم غد عليهم ورح حتى تعرف مستقرَّ مسلم بن عقيل ، وتدخل عليه . ففعل ذلك ، وجاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وهو يصلّي ، فسمع قوماً يقولون : هذا يبايع للحسين ( عليه السلام ) ، فجاء وجلس