نام کتاب : القرآن والعقيدة نویسنده : السيد مسلم الحلي جلد : 1 صفحه : 197
وهنا وعند الفراغ من هذه النظرة التي وقفت فيها من الجواب على عين الصواب ، ألق نظرة أخرى على قوله تعالى - حكاية عن موسى ( عليه السلام ) - : * ( فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ) * [1] وقال تعالى في موضع آخر : * ( وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ) * [2] . فحينذاك سنراك تقول : إنه كيف وصف العصا بالثعبان ، ثم وصفها بالجان ، والثعبان : الحية العظيمة الخلقة ، والجان الصغير من الحيات ، وهذا جمع بين وصفين متضادين ، وهذا هو التناقض الظاهر بكل وضوح ؟ إن قلت هذا فسنقول لك : من أعلمك أن الآيتين وقعتا خبرا عن قصة واحدة ؟ ليس الأمر كذلك ، بل الحالتان مختلفتان ، فالحال التي أخبر فيها تعالى أن العصا فيها بصفة الجان كانت في ابتداء النبوة وقبل مصير موسى إلى فرعون ، والحال التي صارت فيها العصا ثعبان كانت عند لقائه فرعون وإبلاغه الرسالة ، فعند هذا - وعلى هذا الوجه - يرتفع التناقض بين الآيتين لاختلاف الزمن ، واختلاف الزمن شرط من شروط التناقض ، فلا تناقض هناك . ثم إن قوما من المفسرين تعاطوا الجواب عن هذا السؤال على وجه آخر ، إما ظنا منهم بأن القصة واحدة في زمن واحد ، أو لاعتقادهم أن العصا الواحدة لا يجوز أن تنقلب في حالين : تارة إلى صفة الجان ، وتارة إلى صفة الثعبان ، أو قصدا منهم إلى الاستظهار في الحجة والامعان في الدليل ، فأجابوا بوجهين : أحدهما : أنه تعالى شبه العصا بالثعبان في إحدى الاثنين لعظم خلقها ، وكبر جسمها ، وهول منظرها ، وشبهها في الآية الأخرى بالجان لسرعة حركتها ونشاطها