وروي عن عبد الله بن عباس أنه قسم وجوه التفسير على أربعة أقسام تفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير تعرفه العرب بكلامها وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل . فأما الذي لا يعذر أحد بجهالته فهو ما يلزم الكافة من الشرائع التي في القرآن وجمل دلائل التوحيد ، وأما الذي تعرفه العرب بلسانها فهو حقائق اللغة وموضوع كلامهم ، وأما الذي يعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه وفروع الأحكام ، وأما الذي لا يعلمه إلا الله فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة " [1] . الرابع : ما جاء في مقدمة التفسير لابن تيمية : " يجب أن يعلم أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه ، فقوله تعالى : ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) يتناول هذا وهذا ، وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي ، حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من البني ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قال : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا ، ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة ، وقال أنس : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل في أعيننا ، وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين ، قيل : ثمان سنين ذكره مالك ، وذلك أن الله تعالى قال : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ) [ ص / 29 ] وقال : ( أفلا يتدبرون القرآن ) [ النساء / 82 ] وقال : ( أفلم يدبروا القول ) [ المؤمنون / 68 ] وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن : وكذلك قال تعالى : ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) [ يوسف / 2 ] وعقل الكلام متضمن لفهمه . ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه فالقرآن أولى بذلك ، وأيضا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه ، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم ، وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم ، ولهذا كان النزاع بين الصحابة في
[1] التفسير الكبير لابن تيمية : 2 / 193 - 195 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة .